أوروبا القديمة مصطلح قديم سياسي ولكنه استخدم في العصر الحديث كتسمية ساخرة، وأول من استخدمها كسخرية هو دونالد رامسفيلد، وزير الدفاع الأميركي في عهد الرئيس جورج بوش الابن وذلك في عام 2003، والهدف كان السخرية والاستخفاف بالقارة الأوروبية، تلك القارة التي صنعت الثورة الصناعية وعصر النهضة ثم ودّعتها كغيرها من الأمم.

لم يتبقَ للقارة الأوروبية اليوم إلا عالمنا العربي، ذلك العالم الذي عملت على تمزيقه الدول الاستعمارية الأوروبية، وزرعت به الكيان الصهيوني لنبقى في صراع مستمر، وتُضعف تلك الحلقة التاريخية والجغرافية التي تحيط وتهدد أوروبا في خاصرتها الجنوبية.

ولكن اليوم لا تجد تلك الدول الاستعمارية القديمة، سوى بلاد العرب لتحافظ على بقايا سمعتها التاريخية وتحشر نفسها بالصورة في كل أزمات الشرق الأوسط، رغم أننا جميعاً نعلم أن لا حول لهم ولا قوة، وأنهم ضيوف ثقال جاءوا للحفلة كإثبات وجود وربما لتناول الطعام.

هذه ليست القضية، القضية في العرب أنفسهم، فهم مصرّون على دعوتهم والسماح لهم بالتواجد وإشباع غرورهم القديم بل وتمجيدهم بالإعلام ونقل تصريحات الناطق باسم حكوماتهم، رغم أنهم يعلمون ونحن نعلم، أن كل تلك التصريحات مجرد تجارب صوتية لا أحد يسمعها.

القضية الأخرى هي عشق الأوروبيين لكلمة (دولي)، فكلما عمل أحد منهم مع جاره جمعية تطوعية لأي هدف، يطلق عليها الجمعية الدولية، فهم ما زالوا يحيون تلك الفترة التي يعتبرون أنفسهم فيها، هم العالم والعالم هم، حتى بعد تمزقهم في الحرب العالمية الثانية - لولا تدخل أميركا - ما زالوا متمسكين بهذه النظرة الاستعلائية...

لهذا لا أستغرب عندما أسمع عن اتحادات دولية يقودها متقاعدون من أوروبا، اتحادات لمحاربة الفقر والتوعية من جميع الأمراض، واتحادات لكل شيء تجمع الأموال وتستقطب من دولنا المال وتقبل عضوية بعض الدول الفقيرة لا سيما من أفريقيا ليكتمل المشهد لديهم. مثل هذه الاتحادات لا تقدم شيئاً لأنها لا تملك شيئاً سوى بقايا من نفوذ على المنظمات العالمية التي تعقد معها اتفاقيات تعاون، اتفاقيات من أجل إقناع العرب بأنهم ما زالوا أحياءً، وطبعاً يدعون الجمعيات أو المؤسسات لعضوية تلك الاتحادات، ويطلبون منهم أموال الاشتراكات...

أتمنى أن يعتمد العرب على أنفسهم ويبتعدوا عن الاتحادات الدولية لا سيما ذات المنشأ الأوروبي، فهذه الاتحادات ليست فقط لا تفيد بشيء بل انها تعطي طالبي الشهرة في منطقتنا فرصة لخداع شعوبنا، وتضخيم من لا يستحق على حساب أصحاب العمل الجادين في جمعياتنا الفخورة بنفسها، كما أضرتنا أوروبا قديماً، تتسلل إلينا اليوم عبر الوهم لتُلحق بنا الضرر مرة أخرى.