قال الله تعالى: «مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ» سورة ق18. ومن هذا المنطلق نقول إنّ من حق الجميع أن يكشفوا عن آرائهم ووجهات نظرهم تجاه كل ما يرونه، من الأقوال والأفعال والمواقف، ولكن هناك من يستعمل حقه استعمالاً صحيحاً، ومن يتعسف أو يجور فيه، إنّ الإنسان المسلم يعرف أنه مؤاخذ بما يقول على مستوى النية، وعلى مستوى الأداء، ولذلك وضع الشارع المعيار في الآية السابقة.

هناك نقد عبارة عن كلام مُرسَل، ليس له زمام ولا خطام، ولا يخضع لقواعد النقد المنهجي، ولا يملك أصحابه صدق النوايا التي يجب أن تتوافر لدى أصحاب النقد المثمر، لذا أطلق عليه النقد العشوائي.

لا أحد ينكر أن لدى معظم الناس شهية للنقد، أياً كان نوعه، أو الهدف منه، ويعتقد من ينقد أنه تفوق على جلسائه وأنداده، وذلك لأن الآراء الإيجابية في أي أمر تظل قابلة للرؤية من زوايا مختلفة، ونتائجها مؤجلة إلى حين، أما النقد فله شأن آخر، غالبا الناقد يقول لكل من يستمعه: توقفوا وكأن لديه شيئاً مغايراً، وأنّ ما تتحدثون عنه غير صحيح، أو أنه يحتاج إلى تدقيق ومراجعة، وبهذا يتم كسر السياق القائم وتوجيه الوعي وجهة جديدة، ولهذا من المألوف دائماً أن نستمع إلى أشكال من الكلام غير الناضج، ويلبي نزوة أو شهوة، أكثر من أن يعبر عن رأي أو فكرة، وللأسف إن هذا هو الذي يسيطر على معظم المجالس العامة وبعض الخاصة.

إنّ النقد العشوائي كثيراً ما يكون بعيداً عن جوهر القضية موضع التناول، ويكون حول شيء يتعلق بوضعية عامة، أو ظرف طارئ، والدافع إلى هذا اللون من النقد العشوائي، قد يكون عدم القدرة على المعالجة الدقيقة للقضية، وقد يكون الدافع مناكفة المتحدث، وعدم السماح له بالتفوق على الحاضرين.

أحياناً ننقد ونتحدث عن انطباع شخصي معلل، ونقيم تقييماً شخصياً قائماً على الشعور، وهذا ما نسميه الإحساس الشخصي، ولكن من الأفضل أن يكون النقد منهجياً، لأنه يقوم على أُسس ومعطيات مستقلة وملموسة، وقابلة للنقد والمراجعة، وليس من بينها الانطباعات الشخصية والتي تعبر عن الفرادة وعن ميوعة المعايير.

M.alwohaib@gmail.com

‏@mona_alwohaib