تخيل أنك مسلم يعيش في القطب الشمالي أو الجنوبي، لا وجود لرجال الدين، ولا المساجد، ولا المكتبات العامة المغلقة، واستشكل عليك أمر ما، فمن تستفتي؟ في السنوات الماضية، انتشرت العديد من التطبيقات الدينية، وفي كل عام، تزداد أعدادها، ويعتمد الكثير عليها، مثل المصاحف الإلكترونية وغيرها.

لكن في العامين السابقين، تطور الوضع مع انتشار تطبيقات دينية، أكثر تطوراً، تجاوز تحميلها إلى أكثر من 50 مليون شخص.

أنشأت هذه التطبيقات سوقاً ضخماً متنامياً، تصل اشتراكاتها السنوية إلى 100 دولار، وهذه الأسعار تعتمد على الخدمات المقدمة.

بداية هذه التطبيقات كانت تقدم الكتب المقدسة، والأدعية، والمواعظ فقط، ثم تطورت فأصبحت تقدم دورات للمبتدئين والمتقدمين، مقسمة على أهدافٍ عدة، وما عليك سوى اختيار هدفك، وإحدى هذه الخدمات أن تتعلم تجويد القرآن الكريم عن بعد، وبضمان من مالك التطبيق.

لكن الأمر لم يقف إلى هذا الحد، فالإبداع مستمر، فقد أضيفت إليها منصات للتواصل، تعتمد على المسافة، حيث يمكنك أن تتعرف على أشخاص قريبين من محيطك الجغرافي، ويشاركونك مثل الهدف، حيث يمكنك التعرف عليهم ومناقشتهم -مع تحفظي على هذه المنصات.

لكن بعد ثورة الذكاء الاصطناعي، لم يتوقف أصحاب هذه التطبيقات متفرجين، فقاموا بإدخال الذكاء الاصطناعي إلى تطبيقاتهم.

هذه النماذج سريعة وفورية، فأصبحت تقدم الفتوى بدقائق معدودة، فلا تحتاج أن تنتظر الشيخ، فالشيخ بين يديك!

كذلك تم تدريب هذه التطبيقات للدعوة أو التبشير، فأغلب هذه التطبيقات غربية، وتستهدف شريحة الشباب على الأخص.

فنحن الشباب نحب السريع الجاهز، نكره الانتظار، حتى الحمية (الدايت)، نستبدلها بإبر التخسيس. هذه الأنواع من التطبيقات تجذبنا، لأنها ببساطة، تجنبنا الأسئلة المحرجة، وبعد المسافة، وتسهل علينا الكثير من الأمور، لكنها تدخلنا في دوامة الاختلافات الفقهية، فيستشكل الأمر على المساكين، لكثرة الاختلاف، فيتبع الرُّخَص، بقصد أو من دون قصد، والقاعدة الفقهية تقول «من تتبع الرخص فقد تزندق»، أعاذنا الله وإياكم، لهذا وجب الحذر.

فهذه النماذج -وإن كانت تسمى ذكية- تخطئ كثيراً، لأنها لا تميز بين المعتمد، والغريب، والمكذوب، وهي تعتمد على طريقة السؤال.

ولو كررت عليه السؤال أكثر من مرة، ستفاجأ بتباين الإجابات.

لكن علماء الدين -في الغرب- انقسموا بين مؤيد ومعارض، فالمؤيدون يرون أنها تساعد الشباب على العودة إلى الدين، بينما يخاف المعارضون من أن يعتمد الناس عليها، لأن هذه التطبيقات تعتمد على المحاكاة، فهي تستعير الفتوى من الإنترنت، من دون تمييز.

وتكمن الخطورة في تسييس هذه التكنولوجيا، حيث يمكن توجيهها لتصدر فتاوى متطرفة، أو مغلوطة أو بدعية، خصوصاً أن تطبيقات الذكاء الاصطناعي منحازة بشكل كبير إلى مصالح دولها، ما ينذر بخطر انحيازه لطرف دون آخر.

نحن هنا نتكلم عن فتوى، وليس عن أحكام شرعية استقرت في الكتب الفقهية. كما نقول في الكويت (الأولين ما خلو للتالين شيء) الحمدلله.

يجب تدارك هذا الأمر على نحو السرعة، فالأمر يتعلق بدين الناس، بعباداتهم، ومعاملاتهم، حلال أم حرام؟ ما الحل؟ كيف لنا أن نراقب صحة الفتاوى تقنياً؟! هل نرفضه كلياً أم جزئياً؟

إلى علمائنا الأجلاء: معظم الشباب، يستخدمون برامج الذكاء الاصطناعي، بل حتى الحكومات أعلنت ضخ استثمارات بالمليارات في هذا المجال.

لهذا نعتقد أن من الواجب على مجلس الإفتاء في الكويت بشكلٍ خاص، والعالم الإسلامي بشكلٍ عام، أن يتداركوا الموضوع، ويضعوا الحلول، حتى لا نقع في المحظور.

وإن لم يفعلوا، فقد يتولى الذكاء الاصطناعي، الإفتاء نيابة عن العلماء، سواء بالحق أو الباطل!