إنّ العلاقات التي نقيمها مع بعضنا ومع أبناء الثقافات الأخرى، غالباً هي علاقات مهددة بالتوتر والقطيعة، ومهددة بالبرود والفتور إما لمعطيات واضحة أو غير واضحة.
كلنا يعلم أن عالم العلاقات هو عالم الغموض والتعقيد، وهو عالم الأوهام والشكوك والتساؤلات، وذلك بسبب ضعف وهشاشة الأسس التي تقوم عليها كل علاقة بين إنسان وإنسان آخر. ومن أراد استمرار علاقةٍ ما في حياته فلابد من رعايتها رعاية دائمة، والإبقاء على مسوغات استمرارها، وإلا فإنها ستزول، وكأنها لم تكن!
إن الإنسان من غير أسرة ومجتمع وأصدقاء وزملاء لن يكون إنساناً، لأنه سيكون من غير لغة، ولا عاطفة، ولا معرفة بالخير والشر والخطأ والصواب... وهذا يؤكد أن العلاقات التي نقيمها لا تقام من أجل الترف والرفاهية، وإنما هي ضرورية لنكون بشراً أسوياء، ولنستمر على هذه الأرض.
وعلى الرغم من شدة حاجتنا لإقامة علاقات إلا أن علينا الاعتراف بأن من العسير جداً إقامة علاقات نزيهة وخالصة وشفافة على نحو كامل، فأنا اختلف عن الآخر، أنا شيء وهو شيء آخر، وهذا يعني أن العلاقة تنشأ بيننا وبين الآخرين بسبب شعورنا بالحاجة إليهم، ولدى الآخرين الشعور نفسه، وهذا يجعل التكامل هو أساس العلاقة، وكلما كان الإشباع لحاجاتنا أكبر شعرنا بعظم التكامل وأهميته بيننا، وشعرنا بالفائدة.
وجود الآخر ضروري لوجود الذات، إن فرضنا وجود تشابه مطلق بين بني آدم على مستوى الشكل والذوق والفكر والمصالح، حينها ربما لن نشعر بثنائية الذات والآخر، وإذا لم نشعر بهذه الثنائية، فإن ما يترتب على العلاقة بيننا من مشكلات قد يكون منعدماً، أو ضئيلاً للغاية، لكن الله سبحانه وتعالى يريد أن نكون مختلفين: «وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَٰلِكَ خَلَقَهُمْ» (هود 118 - 119).
هذه الثنائية وما ترتب عليها من الشعور بالاختلاف، هي محل ابتلاء لنا جميعاً، حيث إنّ على كل واحد منا أن ينجح في إقامة علاقته مع من يخالطهم، ويلتقي بهم على أساس من العدل والبر والإحسان والتفهم، وفي هذا الإطار نعقل قوله سبحانه: «وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ». (الشعراء 183)، لأنّ كثيراً من الناس لم ينجحوا في إقامة علاقة قائمة على البر والعدل، وهذا يعني أنه ينبغي علينا أن نمتلك الكثير من الوعي، وأن نبذل المزيد من الجهد الأخلاقي حتى نستجيب لأمر ربنا في تحسين مستوى العلاقات بيننا بوصفنا إخوة وأصدقاء.
علاقاتنا مهمة لصحتنا النفسية، وإذا كان الآخر مرآة لك، فلا تشوّه المرآة التي ترى فيها نفسك، لأنك حينئذ لن ترى نفسك على حقيقة ما هي عليه، ولهذا فإن المنصف في النظر إلى الآخرين يحسن إلى نفسه قبل أن يحسن إليهم. والعلاقة بالآخر تحتاج إلى تبصُّر، ونقد أعمق وأوسع بكثير مما ذكرناه، وما ذكر ما هو إلا لفتة صغيرة إلى أهمية القيام بعلاقات صحية قائمة على البر والعدل.
M.alwohaib@gmail.com
@mona_alwohaib