نشرة أو مجلة أجنبية تسمى «جورنال في ديموكراسي»، تم تداول مانشيتها في الكويت عبر مواقع التواصل، وكان المانشيت وبخط عريض «هل سيكون برلمان الكويت القادم هو الأخير؟»، وفي الكويت البعض وللأسف استقبلوا العنوان وروّجوا له بل وفرحوا، مع تمنيات بأن يكون المجلس القادم لمجلس الأمة هو المجلس الأخير، بمعنى دعوة واضحة للتخلص من الشكل الديموقراطي وتعليق العمل بالدستور إلى أجل غير مسمى، وللأسف من يساند تلك الدعوات البعض من الراشدين المُتعلمين.

تلك الدعوات والتمنيات بحل غير دستوري تحمل مخاطر كبرى، ومن يدعو لذلك حتماً جاهل وغير واعٍ، ولا يتذكر التجربة الكويتية قبل عام 1990م، حيث لم يكن هناك مجلس أمة، وكان هناك رقابة على الصحف، وكان هناك مجلس وطني غير شرعي، وفي غياب الصوت الشعبي دخل علينا العدو في ليلة ظلماء، لهذا، المُشاركة في إدارة البلد تحتاج تحالفاً بين أسرة الحكم وممثلين للشعب.

وحتما من يدعو إلى التخلي عن المكسب الشعبي الذي حدده الدستور، إنما ينسى أو يتجاهل أن المشاركة الشعبية، أو لنقول الديموقراطية المنقوصة ليست جديدة على الكويت، ففي عام 1938م، أنتخب أول مجلس تشريعي، وهذا قبل تدفق موارد النفط على البلد، لهذا، المُشاركة الشعبية متجذرة، وما زالت مفعّلة في كل المجالات، فهناك انتخابات من اتحاد طلبة إلى جمعيات نفع عام أو جمعيات تعاونية إلى شركات وهكذا.

وفي عام 1962م، صدر الدستور الذي بيّن مسؤوليات أسرة الصباح الأسرة الحاكمة ودور الشعب الممثل بمجلس الأمة، والتوقيع على الدستور من قبل الشيخ عبدالله السالم، إنما كان توثيقاً رسمياً يفترض ألا يلغى أو يعدل إلا بموافقة الموقعين عليه، وهذا يضمن سلامة البلاد والعباد وحتى حماية لمكانة أسرة الحكم.

أمر آخر مهم هو تأكيد هذا الشأن في مؤتمر جدة أثناء الغزو، عندما تم التوافق على العودة بالعمل بالدستور، ولهذا دعمت الدول الصديقة والشقيقة هذا الاتفاق حتى تم تحرير الكويت والحمدلله.

البعض يقول الديموقراطية مُزعجة أفضل أن نتخلص منها، وهذا قول فيه الكثير من السذاجة ويحمل الكثير من المخاطر، فوجود مجلس داخل قاعة عبدالله السالم، ونقاشات واستجوابات لأشخاص نعرفهم وفق ضوابط ولوائح، أفضل من ألا يكون هناك مجلس، ويصبح في كل مكان وفي ساحة الارادة مجالس من أشخاص لا نعرف غالبيتهم ولا نعرف من يمثلون، وهنا نتذكر تجربة تجمعات دواوين الاثنين وانتقالها من منطقة إلى منطقة وصدام وأزمة هدّدت الأمن.

وعن ما نقول ديموقراطيتنا المنقوصة، نقول إنها شكل ديموقراطي للمشاركة، ولا يرقى للنظم الديموقراطية حيث ينقصها نظام الأحزاب، وإذا كان هناك تراجع في البلد فيجب ألا يُلام مجلس الأمة فهو مجلس تشريعي، وليس تنفيذياً فليس من مهمته اصلاح الشوارع أو إدارة الوزارات إنما هذا عمل السلطة التنفيذية اليومي.

لهذا، نتمنى ألا يصدق تنبؤ مانشيت تلك المجلة، لأن مخاطر إن حدث وإن كنا لا نتوقع ذلك، المخاطر بالتأكيد جسيمة وتداعياتها السياسية لا يتوقعها أحد.