عبرّ العضو المنتدب السابق للهيئة العامة للاستثمار، فاروق بستكي، عن تخوفه من توجه الحكومة للسحب من صندوق الأجيال القادمة بعد استنفادها للاحتياطي العام، لاسيما وأن التوقعات تنصب على تراوح سعر برميل النفط بين 50 إلى 60 دولاراً خلال السنوات الخمس المقبلة.

كلام بستكي جاء خلال إحدى جلسات مؤتمر شركة المركز المالي الكويتي (المركز)، الذي نظمته أول من أمس تحت عنوان «النظرة المستقبلية لعام 2023: أين تكمن الفرص الاستثمارية في ظل التحديات في الأسواق؟»، وأداره العضو المنتدب لإدارة الثروات وتطوير الأعمال في «المركز» عبداللطيف النصف، لمناقشة الإستراتيجيات الفعالة لاقتناص الفرص في مختلف الأسواق.

وأضاف بستكي في الجلسة التي أدارها الرئيس التنفيذي في «المركز» علي خليل، أنه في ظل وصول أسعار النفط لتلك المستويات، فإن عجز الميزانية سيبلغ 8 إلى 9 مليارات دينار سنوياً، وبالتالي قد يكون الحل في اللجوء إلى السحب من احتياطي الأجيال المقبلة، متسائلاً «كم سنة سيصمد؟».

وذكر أن عجوزات الميزانية خلال السنوات الثمانية الماضية بلغت مجتمعة نحو 41.7 مليار دينار (137 مليار دولار)، وقد تم سدادها من خلال صندوق الاحتياطي العام باستنفاد جميع سيولته.

ولفت بستكي إلى أن 90 في المئة من ميزانية الكويت معتمدة على النفط وبالتالي فإنها خاضعة لتقلبات أسعاره، مستشهداً بأن العجز المقدّر لميزانية العام 2021/ 2022 كان 12.1 مليار دينار، في حين أن الحساب الختامي أظهر أن العجز 3 مليارات دينار فقط، بفضل ارتفاع أسعار النفط نتيجة الحرب الروسية-الأوكرانية لمستويات كبيرة، لا بسبب تنويع الاستثمارات أو اتخاذ قرارات حصيفة.

وتابع أنه في كل عام يتم تخريج 25 ألف شخص، أي أن على الحكومة أن توافر خلال 4 سنوات نحو 100 ألف وظيفة تستوعبهم، لافتاً إلى أن الحل يكمن في العديد من القرارات، وأهمها تقليل المصاريف، لاسيما وأن 75 في المئة من الميزانية مخصصة للرواتب والدعوم، مع توقعات بارتفاع هذا الرقم بالفترة المقبلة، ومنوهاً إلى أن الجزء المتبقي من الميزانية والموجه للتنمية قليل جداً ولا يتجاوز 12 في المئة بعد خصم المصاريف.

ورأى بستكي أن الحل الثاني يكمن في الخصخصة، مثل تخصيص المؤسسة العامة للموانئ، والمطار، وقطاع الكهرباء، والتعليم، والصحة، ضارباً المثل بأن كلفة الطالب الثانوي على الدولة وفقاً للدراسات تبلغ 8 إلى 10 آلاف دينار سنوياً، بينما يستطيع بنصف هذا المبلغ الالتحاق بمدرسة خاصة جودتها أعلى بعشر مرات من القطاع الحكومي.

واعتبر أنه ينبغي على الحكومة إنشاء شركات لتشمل تحت مظلتها جميع المدارس الحكومية، على أن تطرح 25 في المئة منها للقطاع الخاص وتحتفظ بـ25 في المئة، وتطرح 50 في المئة للمواطنين، مبيناً أن هذا الأمر ينطبق أيضاً على القطاع الصحي الذي تبلغ ميزانيته 2.6 مليار دينار والجميع يشتكي من سوء خدماته، ومشدداً على أنه بعد تمكين القطاع الخاص يمكن فرض ضرائب على الشركات.

فرص الأزمات

وأضاف بستكي أن الأزمات مستمرة دائماً وتولّد فرصاً استثمارية، مبيناً أنه في العام 2007 كانت شركة «فيزا» تنوي طرح أسهمها في السوق، وكان المستثمرون مترددين جداً من الدخول فيها بسبب ما كان يعاني منه العالم، إلا أن الهيئة العامة للاستثمار دخلت مع الشركة في محادثات وتم تخصيص أكبر حصة لها في العالم بنحو 840 مليون دولار، مبيناً أن سهم الشركة كان بـ44 دولاراً آنذاك وبعد فترة قُسّم كل سهم إلى أربعة لتصبح قيمة السهم الواحد 11 دولاراً فنزلت تكلفة الهيئة إلى 11 دولاراً.وبين أن قيمة السهم الآن بلغت 224 دولاراً، أي أن الهيئة ربحت 20 ضعف الأموال المستثمرة في الشركة.

وتابع بستكي أنه وفي ظل أزمة الرهونات العقارية في 2008، كانت شركة «ريليتد» تنوي بناء أكبر مشروع عقاري في أميركا وهو «هدسون نيويورك»، ولم تستطع جذب مستثمرين بسبب الأوضاع التي كانت سائدة آنذاك، إلا أن «هيئة الاستثمار» دخلت في المشروع بشروط خاصة، وهو يعتبر الآن من أنجح وأكبر المشاريع الخاصة العقارية في أميركا.

وأفاد بأن مستوى التضخم في السبعينيات والثمانينيات كان 15 في المئة، وأن أسعار الفائدة بلغت آنذاك 20 في المئة، مؤكداً أنه لا خوف مما وصل إليه الآن عند 3.1 في المئة.

وقال بستكي إنه في العام 1987 حصلت أزمة الـ«Black Monday»، وهبط مؤشر «داو جونز» في ذلك الوقت بنحو 22.6 في المئة خلال يوم واحد، ومن ثم جاءت مشكلة الرهونات العقارية في 2007 إلى 2009 وكان العالم على شفا الإفلاس لولا التدخلات من البنوك المركزية والدول، مروراً إلى أزمة كورونا في 2020.

وأشار إلى أنه في ظل الأزمات يجب الاحتفاظ بالسيولة النقدية لاقتناص الفرص المتولدة منها ويجب المخاطرة لتحقيق الأرباح، متوقعاً أن ترتفع أسواق الأسهم بنحو 10 في المئة مثل «ستاندرد آند بورز».

وعي استثماري

من جانبه، قال خليل إن «المركز» تواصل التزامها الدائم بدعم تطور قطاع الخدمات المالية وسوق المال، من خلال تعزيز الوعي الاستثماري، مشدداً على أهمية أن يتمتع المستثمر بدراية كاملة قبل اتخاذ أي قرارات استثمارية، لتحقيق أهدافه المالية.

وأضاف أن الشركة تدعم المستثمرين من خلال توفير المعرفة لهم بما يؤدي إلى قرارات مستنيرة ومسؤولة، لاقتناص الفرص الاستثمارية السانحة في مختلف فئات الأصول.

اتجاهات 2023

من جهتها، تطرقت نائب رئيس تنفيذي لإدارة الخدمات المصرفية الاستثمارية والدخل الثابت في «المركز» رشا عثمان، إلى أهم الأحداث والاتجاهات في 2023، والفرص في قطاع الدخل الثابت وإصدارات السندات بأسعار أعلى.

وناقش نائب رئيس أول لإدارة الاستثمار العقاري في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في «المركز» خالد المباركي، تأثيرات ارتفاع الفائدة على القطاع العقاري، وأهم الفرص الناشئة في المنطقة خلال 2023.

بدوره، تحدث نائب رئيس إدارة استثمارات الأسهم في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في «المركز» فهد الرشيد، عن أبرز التحديات والفرص الناشئة للمستثمرين، وسلط الضوء على محافظ الفرص الاستثمارية في الشركة.

في سياق متصل، سلّط نائب رئيس إدارة الاستشارات وعمليات الاندماج والاستحواذ، وإدارة الخدمات المصرفية الاستثمارية في الشركة عبدالرزاق رزوقي، الضوء على أنشطة عمليات الاندماج والاستحواذ وتوجه الشركات العائلية والشركات الكبرى.

السوق الأميركي

تحدث العضو المنتدب في شركة «مار-غالف»، الذراع العقارية لـ«المركز» في الولايات المتحدة الأميركية سامي شبشب، خلال الجلسة الثانية للمؤتمر، عن أبرز العوامل التي تؤثر في السوق الأميركي، ومنها تأثير التضخم ونسب الفائدة في قطاع العقارات، كما تطرق إلى رأيه حول القطاعات التي توافر أفضل الفرص للمستثمرين خلال السنة الحالية.

بدوره، أشار نائب رئيس مساعد، إدارة الاستشارات الاستثمارية الدولية في «المركز»، الشيخ حمود صلاح الصباح، إلى الدور المهم الذي تؤديه عمليات الفحص النافي للجهالة وأهمية اختيار مدير الأصول في نجاح الاستثمار، لافتاً إلى أهمية وضع أهداف واضحة وتقييم مستويات تحمل المخاطر وتوزيع الأصول بكفاءة.

وتضمنت قائمة المتحدثين أيضاً الرئيس التنفيذي لشركة «غولوب كابيتال» لورنس إي غولوب، والذي أوضح أن الاقتصاد الأميركي بوضع سليم وأن السوق اليوم هو الأكثر ملاءمة للمقرضين منذ سنوات، مشيراً إلى أن أسعار الفائدة في أعلى مستوياتها منذ الأزمة المالية الكبرى.

وشارك في الجلسة شريك منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في شركة «هاميلتون لين» وليد زين، الذي استعرض دور الحوكمة في الأسواق الخاصة في زيادة عدد الصناديق المفتوحة شبه السائلة، وسلط الضوء على جاذبية العائدات المعدلة وفق المخاطر، والتي توافرها القروض الخاصة في بيئة تتميز بارتفاع أسعار الفائدة.