يمضي زوار المعارض التشكيلية أمام كل لوحة وقتاً يُقدر بثماني ثوانٍ، فقام متحف «ريجيكس» في أمستردام، بالاستعانة بفريق عمل لا يفهم في الفن، ولكنه يفهم في التسويق وإضاعة الوقت والتفكير الإبداعي الذي لا يأخذك إلى أي مساحة إبداعية.

حيث قام فريق العمل بوضع مجموعة من الأسئلة تحت كل لوحة من أجل أن يمضي الزوار وقتاً أطول أمامها، بعيداً عن جمال اللوحة من عدمه !

وكانت بعض الأسئلة كتالي:

- هل يمكنك إثبات أن الفنان هو الذي رسم هذه اللوحة؟

- كم تساوي هذه اللوحة في رأيك؟

- هل تجد أي خطأ في اللوحة؟

- إذا اشتريت هذه اللوحة أين يمكن أن تضعها؟

ارتفعت نسبة مشاهدات اللوحات في المعرض إلى نصف ساعة لكل لوحة، وتعاقب الزوار على قراءة الأسئلة والأجوبة، في الحقيقة لقد أمعنوا النظر في كل شيء عدا اللوحات نفسها !

يحدث الشيء نفسه الآن في كل شيء، ليس فقط على مستوى المتاحف التشكيلية، ولكن أيضاً على مستوى الحكومات والوزارات.

تتم الاستعانة بفرق عمل متخصصة في التسويق والنشر والنفخ والسوشيال ميديا، تنشر مشاريع الدولة وخططها الإستراتيجية وميزانيات العمل خلال عشر سنوات، ومؤتمرات صحافية، ومقابلات تلفزيونية تُخبرنا أن الخطط سوف تُنفذ على الأرض يوماً ما، ويبقى المواطن فاغراً فاه وهو يحملق في كل شيء من دون أن يتقدم واقعه خطوة واحدة للأمام.

في التعليم أيضاً يتم اتباع الأسلوب ذاته، فرغم ارتفاع الأسعار، فإن ثمة فرقاً للتسويق لتخبرك أن التعليم في الكويت «منفوخ» على ما يرام طالما أن ابنك وابنتك يدفعان القسط، وأن لدينا ما يكفي من المناهج وطواقم التدريس الإبداعية، والمناهج التي تجعلنا في الصفوف الأمامية، وسوف تحملق في كل شيء من دون أن يتقدم واقعك التعليمي - الحكومي والخاص - خطوة واحدة للأمام، وتكتشف أننا لا نصبح في الصفوف الأمامية إلا وقت الأوبئة فقط.

ثم ماذا...؟

يُنشر هذا المقال في جريدة «الراي»، وتخرج إحدى القارئات - وتعترض على لغة الكاتب - لتقول بلغة لا ينقصها فيها الثقة بقدر ما ينقصها فيها العقل:

«‏مَن هذا الكاتب الشوارعي؟ مرفوض هذا الطرح في وسائل اعلامية. ولا يجوز السماح لأي كان طرح افكار غريبة ومسيئة وينفث سمه بين حروفه لتشويه البلد... ما وصلنا لهذا المستوى إلا بعد السماح لأي كان بالكتابة والتعبير عن افكاره الغريبة وخطابات الكراهية وعقده النفسية... كل هذه الاقلام مرفوضة».

أقرأ التعليق، ثم أذهب للمقهى، أطلب قهوة فرنسية وسط، انتظر وصول الطلب، فيَعقد العمال في المقهى مؤتمراً صحافياً، ليخبروا الزبائن أن الطلبات سوف تصل يوماً ما.

أبقى وحيداً... وأنا اتساءل عن عقدي النفسية التي ابثها بين حروفي لتشويه البلد، بينما أحدق في إعلان عيادة تجميل منصوب على زاوية الشارع المقابل، تظهر فيه امرأة بدا عليها سوء التغذية، مع عبارة مكتوبة اسفل وجهها:

«انفخيها... ولا تعقديها».

@Moh1alatwan