أنا...أنا...أنا. إبريق الشاي. ايدي كده... بوزي كده... أصب الشاي... وارجع كده.

لا أدري عزيزي القارئ لماذا كلما سمعت هذه الأغنية أتذكّر بعض الكتّاب والمثقفين الذين عرفتهم في حياتي.

تجلس مع أحدهم أو تشاهده في التلفاز فتجده دائم التذكير بأفكاره وأقواله التي كتبها في مقالات سابقة... «لقد قلت في مقال سابق، لقد كتبت في تغريدة سابقة، لقد قلت لتجمع قريب من الأصدقاء». يعيش حالة استدعاء متكرر لأقواله وكأنه هو المرجع ولا مرجع إلا مرجعه، وربما يتواضع قليلاً فيخبرك بما كُتب رداً عن شيء هو كتبه، فالاقتباس والاستشهاد يسير معه في دائرة مغلقة غير منفتحة على إنتاج الآخرين، وهذه الممارسات في حدها المقبول والمعقول والمعتدل قد تكون مقبوله من «الكاتب/المثقف»، ولكنها تصبح مملة كصوت شلال يبهرك في لحظاته الأولى، ثم سرعان ما يبدو مللاً ومكرراً ويعبر عن ذهنية نمطية لا يمكن أن تُقدم بدلائل وحلول أخرى غير تلك التي تعتقدها.

وكاتب آخر، يحتقر زملاءه الكُتاب أصحاب المقالات الأخرى، فيتعامل معهم بالانكار والتجاهل واحتقار ما يصدر عنهم من آراء وأفكار، ويدعي أنه لا يعرفهم ولا يقرأ لهم، وهذا كله قد يبدو مقبولاً في حالة الكاتب / المثقف المنعزل وغير المشتبك، أما بالنسبة للمُختلط صاحب نظريات الإصلاح والتغيير وإبريق الحقيقة... فهذا عليه ألا يحتقر أحداً لكي لا يسقط في الأمراض النفسية ذاتها التي ينتقدها.

هذا الكاتب أو المثقف أو «إبريق الشاي»، لا يستطيع تجاوز ذاته، يعيش لحظة تباهٍ مستمر، ويعاني من إدمان الانتباه الزائد إلى ذاته، غارق في مستنقع أفكاره.

تعلّمت من أحد أصدقائي أن كل كِتاب صعب وغير مفهوم وغير ممتع أو مُسلٍ يمنحنا ثلاثة خيارات نحكم فيها إما على المؤلف بكونه أحمق لعدم وضوح أفكاره، أو على أنفسنا بكوننا حمقى لعدم استيعاب الكاتب وأفكاره، أو على المساحة المشتركة بكون الموضوع لا يعنينا وخارج اهتمامنا ونحن كشريحة لسنا مستهدفين وخارج اهتمامات الكاتب.

عزيزي الكاتب، أنت لست «الكاتب» مع الألف واللام، أي أنك الكاتب المطلق... ولكنك كاتب ضمن مجموعة كتاب في الصحف والمدونات العامة والشخصية ومؤلفي الكتب والروايات، وكل هؤلاء ضمن محيط خليجي فيه الآلاف مثلهم ومثلك ومثلي... فضلاً عن الوطن العربي والعالم الإسلامي.

تواضع قليلاً يا سيدي، فالكتابة أو القراءة إذا لم تُهذب نفسك وأفكارك فهي وبالٌ عليك وعلينا.

وكل ما لم يُذكر فيه اسم الله... أبتر.

Moh1alatwan@