24 فبراير 2022 تاريخ مفصلي لن ينساه العالم، لأن ما بعده مختلف تماماً عما قبله.
ذلك اليوم الذي قرّر فيه رجل واحد اجتياح دولة مجاورة، تحت شعار حفظ الأمن القومي لبلاده، ومجابهة التهديدات الجيوسياسية، عبر مواجهة الآخرين في أرضهم قبل وصول النيران إلى أرضه.
تلك هي باختصار رؤية الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الذي أعطى الأمر باجتياح أوكرانيا، في واحد من أكثر القرارات خطورة على مستوى العالم في العقود الأخيرة.
بعض الدول البعيدة تعاطت مع الاجتياح الروسي كحدث استثنائي لكنه غير مؤثر عليها بشكل عميق ومباشر، قبل أن يكتشف الجميع - بعد أسابيع - أن «القيصر» أخذ العالم إلى مكان آخر.
التداعيات لم تقتصر على محيط أوكرانيا الأوروبي، أو الدول الأطلسية القريبة التي باتت في مواجهة مفتوحة مع روسيا، بل تعدت الجغرافيا القريبة لتطول مناحي الحياة في مختلف أنحاء العالم، مع ارتفاع أسعار الطاقة وتفاقم أزمة الغذاء والخوف المستمر من انزلاق المواجهة إلى حرب روسية - غربية مفتوحة.
وتكفي نظرة سريعة على التداعيات والنتائج، للتأكد من أن إفرازات الحرب تمدّدت إلى جميع الدول، ومرشحة للاستمرار فترة طويلة:
- أولاً، قرّر الغرب مواجهة روسيا عبر مستويين أساسيين: الأول عسكري عبر تحديث الجيوش ومدّ أوكرانيا بمختلف أنواع الأسلحة للصمود في وجه الآلة العسكرية الروسية، والثاني اقتصادي عبر خَنْق روسيا والاستغناء عن إمدادات الطاقة الواردة منها تدريجياً، وهو ما أدى إلى ارتفاع أسعار الطاقة ودخول بعض الدول الأوروبية في أزمة طاقة لم تشهدها منذ الخمسينات. على أن النظرية الغربية مفادها أن الأضرار على المدى القصير لا بد من تحمّلها، فيما ستكون على المديين المتوسط والبعيد أكبر على كاهل روسيا.
- ثانياً، تفجر أزمة غذاء عالمية مع استمرار تعطل سلاسل الإمداد، التي كبلتها جائحة «كورونا» وكان يفترض أن تتعافى في العام 2022. فضلاً عن تعطل واردات الحبوب ومحاصيل أخرى أساسية من أوكرانيا، وهو ما دفع دولاً إلى وقف التصدير لضمان تأمين احتياجاتها، الأمر الذي أدى إلى فقدان بعض المواد الأساسية من الأسواق العالمية، وارتفاع أسعار البعض الآخر.
- ثالثاً، تدهور العلاقات بين روسيا والغرب على مختلف المستويات السياسية والاقتصادية والعسكرية، وهو ما أفرز حالة استقطاب كبرى على مستوى العالم، من شأنها أن تؤدي إلى نشوء معسكرات كبرى متقابلة، وهو ما بدا جلياً في الآونة الأخيرة.
- رابعاً، انقطاع التواصل بين روسيا والغرب، وتحول العلاقة من تعاون بالحد الأدنى في بعض الملفات الدولية إلى مواجهة مفتوحة، وهو ما أثر حتى الآن في ملفين أساسيين على الأقل: ليبيا حيث يمتلك الجانبان نفوذاً كبيراً وكادا أن يصلا إلى تسوية قبل الحرب في أوكرانيا، وسورية حيث استخدمت موسكو «الفيتو»، الجمعة الفائت، وفرضت لاحقاً شروطها لاستمرار العمل بالآلية المطبقة منذ العام 2014، لإدخال المساعدات إلى المناطق الشمالية غير الخاضعة للنظام، عبر معبر باب الهوى.
- خامساً، خشية دولية كبرى من نتائج الحرب في نهاية المطاف: إنْ فازت روسيا بالنقاط (لأن لا قدرة لها أو لأوكرانيا على الحسم الكامل)، فهذا من شأنه تشجيع دول أخرى على اللجوء للخيارات العسكرية في مواجهة الدول الأصغر أو الكيانات الأخرى المحاذية، كحالة الصين وتايوان، الأمر الذي من شأنه إعادة الوضع إلى ما كان عليه قبل تسعينات القرن الماضي، وإرساء قواعد لعب جديدة تقوم على قاعدة «ما لا يؤخذ بالسياسة يؤخذ بالقوة». أما إنْ خسرت روسيا واضطرت لتقليل حجم أهدافها في ظل قدرة أوكرانيا على القتال طويلاً وتكبيدها خسائر فادحة، فالتداعيات أيضاً كبيرة لأن «الدب الروسي» سيكون أشبه بـ «فيل غاضب في متحف خزف».