منذ أن فَرَزَنا حراك الربيع العربي في الكويت إلى خطّين سياسيّين متضادّين، توالت الدعوات إلى خلق خط سياسي ثالث يُترجم المنهجيّة الرشيدة في الإصلاح.

وكان من بين تلك الدعوات مُقترحات مُستغربة ومُضلّلة بتجديد نهج كتلة العمل الشعبي.

فالاستغراب ينبثق من تصنيف الكتلة كخط ثالث وهي التي لعبت دوراً محوريّاً في الحراك ضد السلطة.

والتضليل يترعرع في اعتبار منهجيتها رشيدة رغم البون الشاسع بين منهجيتها والرشد.

فسجلّها البرلماني تشوبه انتهاكات لمبدأي العدالة والمساواة، وملوّث بأداء رسّخ التمييز الفئوي.

ولكنني سأكتفي بالإشارة إلى موقفها غير الوطني اللادستوري في قضيّة واحدة.

في مجلس 2003، انحسر عدد أعضاء كتلة العمل الشعبي إلى خمسة هم النوّاب أحمد السعدون ومسلّم البرّاك والدكتور حسن جوهر ووليد الجري ومحمّد الخليفة.

وكالعادة، قدّمت الكتلة نفسها للشعب كتجمّع برلماني «وطني» مستشهدة بتنوع انتماءات أعضائها بين سنّي وشيعي وبدوي وحضري.

وبفضل نشاطها الإعلامي الواسع والمكثّف، حصّنت نفسها من شبهة التمييز الفئوي رغم ثبوته ضدّها في عدد من مضابط الجلسات.

ومن باب المثال، سأستعرض موقف أعضاء الكتلة الخمسة من الاقتراح بتجريم الإساءة إلى «آل البيت» - في المادة (19) من قانون المطبوعات والنشر - أسوة بالصحابة وزوجات النبي صلى الله عليه وآله وسلم.

فعند دراسة الاقتراح في اللجنة التعليمية، رُفض بإجماع أعضائها، وكان من بينهم عضو الكتلة الدكتور حسن جوهر، وذلك وفق ما جاء في تقرير اللجنة، الموثّق في الصفحات (351 – 438) من مضبطة الجلسة رقم (1149/أ) التي عقدت في 26/12/2005.

ثم أثناء المداولة الثانية لمشروع قانون المطبوعات والنشر داخل قاعة عبدالله السالم، ووفق ما وثّق في الصفحات (298 - 316) من مضبطة الجلسة رقم (1155/أ)، التي عقدت في 6/3/2006، تقدّم بالاقتراح ذاته 13 نائباً من مختلف ألوان الطيف الكويتي، وكان من بينهم عضوا الكتلة جوهر والبرّاك.

ولكن عندما اعترضت مجموعة من النوّاب على الاقتراح، تقاعس البرّاك ومعه عضوا الكتلة الجري والخليفة عن دعم الاقتراح - ولو بمداخلة - وتركوه ليسقط.

وأما عضو الكتلة الخامس السعدون، فكانت له مداخلة أيّد فيها بقوّة الاقتراح المضاد الذي قدّمه النائبان الدكتوران وليد الطبطبائي وفيصل المسلم، الذي أفرغ الاقتراح الأول من مبتغاه، وحوّله من اقتراح بحظر الإساءة إلى أئمة أهل البيت الاثني عشر إلى مجرد إضافة كلمتين إلى نص المادة (19) من دون أي أثر قانوني، وذلك من خلال إضافة تعريف خلافي لـ«الآل» في المذكرة التفسيرية، استُبعد بموجبه الأئمة من غير الصحابة من الحصانة القانونية.

وبعد سقوط الاقتراح أتساءل، ما هي دلالات التباين والتناقض في مواقف أعضاء كتلة من «خمسة أعضاء فقط»، تجاه اقتراح لا يسلب حق أي فئة ويساوي في تحصين الشخصيات الدينية المبجّلة؟

المراد أن تنوّع انتماءات أعضاء الكتل البرلمانية لا يمنعها من السقوط في مستنقع الفئويّة، ووطنيّة الكتل لا تقاس بدرجة التنوّع في انتماءات أعضائها، بل من خلال مؤشرات متعددة متداخلة، تقيس مدى حرصها على تحصين النسيج الاجتماعي وترسيخ ثقافة التعددية ومناهضة مظاهر التمييز، والانفتاح المتّزن على هموم وهواجس جميع فئات المجتمع.

ولذلك، أدعو أعضاء التكتّل الشعبي بمجلس 2003 - وخصوصا الفاعلين منهم في الساحة السياسية - إلى الاطلاع على مضبطة جلسة 1/7/2019 المرقّمة (1429/ خاصة) أو على التسجيل المتلفز للجلسة، والتعلّم من مواقف النوّاب في تلك الجلسة تجاه قانون الأحوال الشخصية الجعفرية، الذي أقرّ بأغلبيّة ساحقة (48 من أصل 56)، ومن بينهم الحميدي السبيعي، الذي ترجم بموقفه ومداخلاته أنه لا يجوز دستوريّاً حرمان الفئات الأخرى من حقوقها وحرّيّاتها الدينية بذريعة الاختلاف في الاجتهادات والآراء الشرعيّة.

وأقول لكل من يدّعي أنه خط ثالث، هل أنت فعلاً ملتزم بالقاعدة الدستورية التي ترجمها السبيعي؟ أم أنك تتقن التنصّل والتملّص منها؟... «اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه».

abdnakhi@yahoo.com