أرقام الإصابات بفيروس كورونا المستجد إلى ارتفاع عالمي، وهذا يتزامن مع بدء اللقاح الذي أخذت دول عدة تستخدمه للمواطنين الراغبين بذلك فوق سن الـ16. ولكن يبقى السؤال: هل توفّر اللقاحات الأمان اللازم للدول وتوقف الجائحة رغم التحور المستمر للفيروس؟

لقد تجاوزت إصابات الوفيات بالوباء، المليونين، بحسب جامعة جون هوبكنز الأميركية. ويؤكد الاطباء المختصين في المملكة المتحدة - التي فتك فيها الفيروس بشكل كبير خصوصاً أن تَحَوُّره أعلن عن انتشاره في بريطانيا أولاً وقد وصل إلى أكثر من 50 دولة - أن السلالة الجديدة التي ظهرت في صيف 2020 تدل على أن السلسلة الوراثية المؤلفة من 30 ألف حرف مرتّبة بترتيب معروف قد تغيرت ولم تعد نفسها التي عرف فيها الـ «كوفيد - 19».

وبدخول الفيروس إلى الخلية، قد تظهر بعد الاخطاء في ترتيب الأحرف (الـ 30 ألفاً)، منها يؤثر ومنها لا يؤثر على سلوك الفيروس. وهذا أيضاً يعتمد على الجسد المضيف الذي يتكيف معه الفيروس ويغيّر سلوكه ليحمي نفسه.

وقد حصلت الطفرة الأولى (تغير الترتيب) الصيف الماضي وسبّبت بسرعة الانتشار من دون أن تغيّر من سلوكه الذي تعرّف عليه العلماء. وهناك طفرة أخرى حدثت في الدنمارك وأدت إلى اعدام السلطات الملايين من حيوانات المنك لوقف انتشار الطفرة الثانية ومنعاً لتأثيرها على الإنسان واحتوائه.

كيف تبطل فعالية اللقاح؟

حدثت طفرة ظهرت في ديسمبر في بريطانيا B.1.1.7 وفي أفريقيا في الشهر ذاته من العام الماضي وفي البرازيل (B.1). تعاني بريطانيا الطفرة التي ظهرت في جنوب لندن وهي نفسها التي ظهرت لاحقاً في أكثر من 50 دولة، وأدت الى فيضان من المصابين في المستشفيات التي لم تعد تستوعب المزيد من المصابين المحتاجين للعناية الطبية.

وقد درس العلماء هذا التحور الجديد للفيروس الذي أول ما عرف عنه سرعة انتشاره بأكثر من 50 إلى 60 في المئة من أي فيروس كورونا آخَر متحور والذي أصاب الصغار مثل الكبار. أما الأفريقي فوصل إلى 20 دولة أخرى، فيما السلالة البرازيلية بقيت لغاية اليوم في أميركا اللاتينية واليابان.

وما يقلق العالم اليوم هو التحور الذي حصل في أفريقيا والبرازيل الذي غيّر في الفيروس البروتين المسمى بـRBD (Receptor Binding Domain) وهو جزء أساسي من الفيروس الذي يسمح له بالالتصاق بمستقبلات الجسم للدخول إلى الخلايا وتالياً يؤدي إلى الإصابة.

وأهمية هذا الجزء، أن جميع اللقاحات التي خرجت من كل الدول المنتجة له خصصت لهذا الجزء من الفيروس (RBD)، وتالياً فإن أي تغيير في هذا الجزء يؤدي إلى إبطال فعالية اللقاح. وهذا ما يقلق العلماء وبالأخص الفيروس البرازيلي الذي خرج من مدينة مانوس الواقعة على نهر نيغرو في الشمال الغربي من البرازيل، حيث أصيب في أيام معدودة 80 في المئة من السكان توفي منهم 40 في المئة في المستشفيات.

وقد تم أخذ عينة من المصابين ليتبين للعملاء أنهم مصابون بالفيروس الجديد الذي استطاع الهروب من المضادات حيث أصبحت المناعة الجماعية غير مجدية وأي لقاح غير فعال.

ويؤكد العلماء أن الطفرة والتغيّر الذي حصل في بريطانيا (B.1.1.7) قد شمل فقط سطح البروتين في الجزء المسمى «501» والذي قد يسبب فقط سرعة الانتشار. اما الجنوب الأفريقي والبرازيلي فقد حصل في طفرات مختلفة عن البريطاني وهي في سطح البروتين في الجزء المسمى بـK484 وK417، وهذه التغيرات لديها إمكانية أن تهرب من اللقاح. إلا ان لا دليل علمياً قاطعاً اليوم، لأن أي دراسة معمقة تحتاج إلى سنتين أو ثلاث سنوات للخروج بقرار قاطع علمي مبني على إحصاءات ودراسات أوسع وأعمق.

إلا أن ملاحظة جديدة خرج بها الباحثون في بريطانيا يتعلق بالقناع الواقي الموجود حالياً والمستخدم في المستشفيات وعند العامة، وخلاصتها أنه لا يكفي لأن عدد الإصابات في الكادر الطبي قد ازداد وأن التباعد أصبح ضرورياً لمسافة أكبر مما يعلن عنها في الدول كافة.

وتالياً فإن سرعة الفيروس البريطاني مصدر قلق جدي لدى العلماء رغم عدم اختلافه كثيراً عن «كوفيد - 19» المعروف.

هل يكشف فحص الـPCR جميع الفيروسات المتحورة؟

لقد حصل نحو 14 تغييراً في ترتيب الحروف الجينية لدى «كوفيد - 19» في الفيروس الجديد البريطاني (B.1.1.7)، وتالياً هناك 6 قواعد اختفت مما هو معروف بفيروس كورونا الأول. الـPCR مخصص لكشف ثلاثة أهداف من البروتين المعروف «كوفيد - 19». في الفيروس البريطاني واحد من هذه الثلاثة غير موجود وبالتالي فإن كشف الفيروس البريطاني متاح ويلتقطه فحص PCR لأن غياب هدف واحد لا يؤثر ويلتقط الفحص الاثنين الباقين.

إلا أن هناك بعض الفحوص التجارية المخصصة لكشف فقط جزء واحد هو نفسه الغائب في الطفرة البريطانية الجديدة وتالياً فإن نتيجة فحص PCR من ماركات تجارية معينة من الممكن ان تُظْهِر أن نتيجة المصاب سلبية حتى ولو كان مصاباً. وتالياً يجب التأكد أن الـPCR المستخدم في المختبرات يكشف ثلاثة أهداف من البروتينات وليس واحداً فقط.

هل هناك خطر من أخذ اللقاح المتوافر في الأسواق؟

هناك حملة مناهضة ضد اللقاحات المتوفرة، إلا انها مرخصة من جهات عالمية موثوقة مسؤولة عن الأدوية التي يأخذها الإنسان في حياته اليومية. إلا انها لم تحصل كلها على موافقة منظمة الصحة العالمية عدا «فايزر - بيونتيك».

ولكن هذا لا يغيّر واقع أن هناك مئات الالاف من البيانات التي درست وخرجت من مراكز العلماء والباحثين والتي فعلاً تحتاج إلى مدة أطول ليتأكد أن اللقاح سليم لجميع السكان أو على الأقل ان هناك فئة معينة لا تستطيع تناوله، كما يحصل في اللقاح البريطاني.

ففي بريطانيا لا يعطى اللقاح للأطفال أو مَن لديه تحسس (ربو أو حساسية ربيعية) أو ضغط دم مرتفع أو إحتمال نزيف أو حتى من أصيب بـ «كوفيد - 19» (إلا بعد 28 يوماً من الإصابة)، وكذلك لا يعطي لمن أخذ لقاح الانفلونزا العادية السنوية. اما الجديد فهو للرضع والحوامل إذ يستطيعون أخذ اللقاح ضد الفيروس فقط في الجرعة الاولى. أما الجرعة الثانية فهي تؤجل لما بعد الإنجاب أو بعد المدة التي تقرر الأم وقف تغذية الرضيع.

فيتامين «دي» وفائدته

يؤكد جميع العلماء أن «دي» هو أهم فيتامين يستطيع الإنسان أخذه خصوصاً في مرحلة انتشار الفيروس. ولكن غالبية مرضى فيروس كورونا تعالَج في المنزل ولا تحتاج إلى أي دواء ولا أي مضادات حيوية. وتالياً فان المريض يحتاج الراحة ومراقبة تطور الفيروس من عدمه. وأي دواء يعطى فقط لمن تصبح حاله حرجة ويعاني انخفاضاً حاداً في مستوى الأوكسيجين بالدم.

وبالتالي فإن دراسات عدة تفيد بان الفيتامين «دي» يقلص من حالات الوفيات ومن تدهور حالات المرضى، وتالياً من الضروري التأكد من عدم وجود نقص من هذا الفيتامين في الجسم.

هناك مئات الآلاف من الفيروسات موجودة في العالم لن تتوقف إلا إذا غيّر العالم سلوكه في طريقة الغذاء والإختلاط بالحيوانات وكذلك الحفاظ على البيئة والاحراج وزراعة الأشجار وعدم استخدام الأسمدة الكيماوية. وإذا بقي الإنسان على عاداته فإن مصير الأجيال المقبلة على المحك.