نتنياهو لا يأبه بقدسيةِ عيد الفطر... فهل يفعل الشيءَ نفسه لعيد الفصح ويرفض وقْف القتل؟

فلسطينيون ينتظرون الحصول على مساعدات في ديرالبلح (رويترز)
فلسطينيون ينتظرون الحصول على مساعدات في ديرالبلح (رويترز)
تصغير
تكبير

أصبح واضحاً أنّ رئيسَ الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لا يكترث بشهرِ رمضان وقدسيّته ولا بعيد الفطر المبارَك ليعطي المسلمين في غزة الوقتَ للبحث عن أحبائهم المفقودين أو تَفَقُّد مَنازلهم المدمّرة أو قضاء بضعة أسابيع من دون تهديدِ شبح الموت الذي يتربّص بهم جراء الحرب الإسرائيلية الصهيونية على القطاع المحاصر.

فهل يفعل الشيء عينه لعيد الفصح اليهودي، أو «بيساح» بالعبرية - وهو أقدس الأعياد اليهودية المرتبطة بقصة خروج بني إسرائيل من مصر القديمة واجتيازهم البحر الذي فلق للنبي موسى - فيحلّ في 22 ابريل الجاري من دون أن يتوصل إلى وقف إطلاق نار موقت ولو لمرحلة أولى بعدما أَفْشَلَ جميع جلسات المفاوضات في القاهرة والدوحة؟

حقق جيش الاحتلال إنجازات عسكريةً قتالية تكتيكية في شمال ووسط وجنوب غزة قابَلَتْها عمليات مركّبة للمقاومة الفلسطينية تحوّلت إلى حال استنزاف عسكري وسياسي لإسرائيل ونتنياهو.

وبالفعل، تحولت الحرب على غزة معضلة ليصبح نتنياهو متّهَماً كلياً بعدما كان متهَماً جزئياً قبل الحرب مُلاحَقاً حينها بدعاوى الفساد وتغيير النظام القضائي في حرية قراره ليصبح اليوم «مطلوباً» لفشله في حماية المستوطنين وعدم تفادي 7 أكتوبر، وللمسؤولية عن قتل الأسرى الإسرائيليين الثلاثة الذين استطاعوا الهروب من الأسْر وسقطوا على يد جيش الاحتلال، والتسبّب بقتل المزيد منهم من خلال عدم اكتراثه لإطلاق سراحهم من خلال المفاوضات، ناهيك عن تحويل إسرائيل دولة مارقة قاتلة على لسان حلفائها وأعدائها على السواء.

وانصرف نتنياهو وشركاؤه المتطرفون في الحكومة لتحقيق أهدافهم على حساب الرهائن والفلسطينيين ليطلقوا يد الجيش الهمجية في غزة، وكذلك لتشييد المستوطنات في زمن الحرب بينما ينشغل العالم بتعداد جرائمهم والمطالبة بوقفٍ لإطلاق النار عوض عن منع إسرائيل أيضاً من سرقة 8000 دنم من أراضي الضفة الغربية والتي تُعدّ أكبر سرقة أراضي منذ إعلان الدولة اليهودية المغتصبة عام 1948.

ولا يؤشر نتنياهو إلى أنه ذاهب فعلاً نحو صفقة تبادل مع «حماس» لأنه لا يُبْدي مرونة في شأن عودة الفلسطينيين إلى الشمال ووقف دائم لإطلاق النار، وهما النقطتان الأساسيتان اللتان تصر عليهما المقاومة الفلسطينية، رغم الأزمات السياسية التي يواجهها نتنياهو وحتى مع أميركا التي تطالب بوقف فوري وسريع وبإعطاء صلاحيات للوفد الإسرائيلي المفاوض.

وهذا ما يناور ويراوغ فيه نتنياهو الذي ذهب لأكثر من ذلك بافتعال أزمة مع إيران بقصفه وتدميره قنصليتها في سورية واغتيال جيشه لأفراد بعثة المطبخ العالمي وأعضائها السبع، ما دفع العالم لإدانة إسرائيل التي أصبحت معزولة، من دون ان يتوقف تدفق الأسلحة الأميركية – الألمانية إليها.

وبكلامه المعسول والمعروف، يحاول نتنياهو ذرّ الغبار في العيون بإعلانه انه سحب اللواء 55 مظليين والكتيبة 271 والفرقة 98 بألويتها الثلاثة بعد «القضاء على حماس كتنظيم عسكري»، ليُبقي فقط على لواء نحال على طول معبر نتساريم (6.5 كيلومتر طول و500 متر عرض) الذي يفصل الشمال عن الجنوب ويمنع عودة النازحين الفلسطينيين إلى الشمال.

وما هذه الخطوة إلا لإفراغ أكبر عدد من الفلسطينيين (المليون ونصف مليون) من رفح ليعودوا طوعاً إلى منازلهم في خان يونس ودير البلح والنصيرات والمغازي ليتسنى له الدخول إلى رفح عندما تنضج العملية ويحين وقتها. وهذا الانسحاب يُرْضي أميركا التي تريد لجيش الاحتلال الانسحاب من المدن والقيام بأعمال خاطفة أمنية كما فعل في مجمع مستشفى الشفاء في الشمال الذي انسحب منه ليعود ويشتبك مع المقاومة لأسبوعين قبل ان ينسحب من جديد.

إضافة إلى ذلك، فإن نتنياهو يقدم الانسحاب من المدن على طاولة المفاوضات ليقول للعالم انه يحاول ملاقاة «حماس» في منتصف الطريق ويصوّر أن الأخيرة لا تريد التنازل عن موقفها ليلقي اللوم عليها أمام مجتمعه الذي يصرّ على صفقة التبادل.

ولكن نتنياهو لا يريد وقف إطلاق النار لأنه لم يحقق «النصر المطلق» الذي وعد إسرائيل والعالم به. فصحيفة «يديعوت أحرنوت» تكتب ان «إسرائيل خسرت الحرب». ويخرج القادة العسكريون للمطالبة «بدفع الثمن» لاستعادة الأسرى، إذ أكد رئيس الأركان هيرتسي هاليفي ان «الحرب ستكون طويلة وان أهدافها لم تتحقق كاملة لأنه لا توجد حلول بسيطة وبعض الأهداف تأخذ وقتاً طويلاً»، رغم مرور أكثر من نصف سنة على أطول حرب تخوضها إسرائيل ضد مجموعة من المقاومين في بقعة أرض صغيرة جداً (364 كيلومتراً مربعاً) بالمقارنة مع ضخامة الجيش الإسرائيلي والدعم العسكري والاستخباراتي وتدفق الذخائر اللامحدود إليه.

لهذه الأسباب، فإن نتنياهو يخشى القبول بوقف إطلاق نار موقت كي لايصبح دائماً ويؤدي إلى بدء المطالبة الجَماعية بانتخابات مبكرة تدفع بمحاكمته على إخفاقاته واتهامات الفساد. إلا انه وصل إلى طريق مسدود لن يستطيع من خلاله الاستمرار بالمراوغة إلى ما لا نهاية، ما دامت حماس على دراية بالتحديات التي يجابهها عدوها.

وتالياً فإنها لن تقدم له السلّم للنزول عن الشجرة وتعيد بعض الأسرى مقابل وقف إطلاق نار محدود يعطي فترة من الراحة لجنود الاحتلال وتنفُّساً داخلياً لأهالي المخطوفين وانتصاراً لرئيس الوزراء بأنه استعاد بعض الإسرائيليين قبل الأعياد.

فقد أعلن نتنياهو ان جيشه قضى على نحو 19.000 من «حماس» من أصل 40 ألفاً. فماذا عن العدد المتبقي؟ ماذا عن «الجهاد الإسلامي» وبقية الفصائل الأخرى المقاومة؟

لن تتنازل المقاومة عن وقف دائم لإطلاق نار وعودة المهجرين. إذ ان رفض إسرائيل للشروط من المتوقّع ان يعطي المقاومة الوقت لإعادة تنظيم نفسها من جديد ومهاجمة المستوطنات بالصواريخ وكذلك القوات في معبر نتساريم، وذلك لتوجيه رسالة قوية بأنها لن توقف الحرب موقتاً.

فإما وقف دائم للنار أو فلتستمر الحرب التي تقضي على ما تبقى من الدعم الخارجي لإسرائيل، وبما يُعطي المجال للمجتمع الإسرائيلي ومعارضي نتنياهو ليرصوا صفوفهم أكثر لإزاحة فرعون العصر الذي يترنّح في مكانه ومعه أكثر حكومات إسرائيل تطرفاً وتعطشاً للدماء.

إنها قضية صبر على البلاء الذي وقع على الشعب الفلسطيني منذ نكبة 1948 والذي سبّبته مجازر إسرائيل بحق أكثر من 47 قرية فلسطينية حينها. وهذا القتل والمجازر لم يتوقف منذ ذلك الحين، بوتيرة أقلّ، لتأتي حرب غزة وتكشف زيف إدعاء إسرائيل بالديموقراطية وحقوق الإنسان والقوانين الدولية.

وتالياً فإن الصبر لا ينقص في تكوين الفلسطينيين الذين سيكملون القتال الإستراتيجي حتى تحقيق وقف دائم لإطلاق نار بشروطهم وليس بشروط نتنياهو.

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي