No Script

الضفة... وليس فقط غزة تحت المخلب الإسرائيلي القاتل

عمليات اعتقال إسرائيلية في الضفة (أرشيفية)
عمليات اعتقال إسرائيلية في الضفة (أرشيفية)
تصغير
تكبير

توسعت المستوطنات على نحو غير مسبوق في الضفة الغربية، لتحول دون قيام أي دولة فلسطينية مستقبلية وتَقضي على حلم الرئيس محمود عباس، الذي لطالما نادى بالكفاح السياسي غير المسلح للوصول إلى غايته بين مؤسسات هشة يعجز عن حمايتها وحماية الفلسطينيين في «الدولة» في ظل تعنت إسرائيل وتصميمها على محاصرة الضفة وسلبها أراضيها وتهجير سكانها.

وقد أعلن وزير المال الإسرائيلي المعيّن مسؤولاً عن الضفة بتسئيل سموتريش، أن «الضفة الغربية هي الحزام الأمني لدولة فلسطين ولن تقوم دولة فلسطينية».

وفي ظل هذه الخطة المعلَنة، يواجه الفلسطينيون هدماً إسرائيلياً مستمراً لمنازل الضفة وحرقاً لحقول المزارعين يحاكي الهدف الذي يُعمل عليه على مستوى أكبر في غزة من تهجير وتدمير وقتل، ولكن بنسبة أقلّ وبهدوء قاتل.

وتُحقِّق إسرائيل أهدافَها عبر عصابات المستوطنين الذين ارتفع عددهم منذ اتفاق أوسلو من 127.000 إلى 750.000 وما فوق ويحظون بدعمٍ من جيش الاحتلال الذي يواكبهم ويحميهم كلما أرادوا الإغارة على المنازل والقرى الفلسطينية وقتْل سكان الضفة من دون رادع ولا حسيب.

ففي مخيم جنين وطول كرم ونور شمس، يَدخل هؤلاء بهدف كسر مقاومة وصمود الشعب الفلسطيني على أرضه ودفعه للهروب مما تبقى من أرضه ليرحل خارج فلسطين بوصف هذا هدفاً أساسياً للمحتل.

فمنذ السابع من أكتوبر وإطلاق عملية «طوفان الأقصى»، أعاد الجيش الإسرائيلي احتلال الضفة ليُنْهي دور السلطة الفلسطينية ويمارس التنكيل والقتل والاعتقال الذي طال أكثر من 9500 فلسطيني، منهم 3660 معتقلاً إدارياً ومن دون محاكمة. وهو يقطع الكهرباء والماء ويمنع دخول سيارات الإسعاف وإجلاء المرضى ليتجاوز حجم الجرائم الإسرائيلية بحق الفلسطينيين أرقاماً غير مسبوقة.

وتستغلّ إسرائيل أحداث الحرب الدائرة في غزة لتعتّم على ما ترتكبه داخل الضفة ولتُخْفي أو تبرّر جرائمها التي تعتبرها أقلّ وأخفّ من الجرائم الفظيعة والمجازر المرتكَبة في القطاع. وهي ضريبة الحرب التي يدفعها الفلسطينيون ويستغلّها كل من وزير الأمن القومي ايتمار بن غفير وسموتريش واللذين يطلق رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو أيديهما للتنكيل بالفلسطينيين في الضفة وبناء وحدات استيطانية جديدة ومُصادَرة أراضي كبيرة جداً تمنع قيام أي دولة فلسطينية مستقبلية تحت أنظار العالم والسلطة الفلسطينية التي لم يعد لأجهزتها الأمنية والشرطة أي وجود حين تدخل قواتُ المستوطنين مدعومين من الجيش.

ويصرّح سموتريش، المسؤول عن الضفة، أنه يريد تهويدها واستعادتها وأن أرض «يهودا والسامرة» أرض إسرائيلية وستعود لإسرائيل، من دون أن تلقى تصريحاته أي معارضة من الحكومة الإسرائيلية.

وتالياً، فإن النيات واضحة، ولا يَعتبر مسؤولو إسرائيل ان هذه الأهداف تتعارض معها، بل ان حزب الليكود الذي يترأسه نتنياهو ينادي بالخطاب نفسه الذي يرفعه سموتريش في ما خص مستقبل الفلسطينيين والأهداف بتهجيرهم.

وقد أعطى نتنياهو الضوء الأخضر لسموتريش ببناء 1000 وحدة استيطانية جنوب القدس المحتلة.

بالإضافة إلى ذلك، قدّم رئيس الوزراء مشروع قرار أمام الكنيست ليصادق عليه بمنْع قيام أو إعلان دولة فلسطينية. واعتُبر هذا القرار تحدياً للإدارة الأميركية التي مازالت تنادي بحلّ الدولتين كطريق وحيد لإنهاء الصراع، وهو نفاق كبير لأنه لا ينادي بحل المستوطنات أو وقف بنائها ولا يعطي الحق للفلسطينيين بمرفأ أو مطار أو ممرّ لا يمر عبر وبإذنٍ من قوات الاحتلال.

وحَلُّ الدولتين، بحسب اتفاق اوسلو، يعطي الحق لإسرائيل بـ 62 في المئة من أراضي الضفة بتقرير مصيرها والموافقة لمَن يحق له بناء منازل أو مستشفيات أو مدارس عليها.

وفي المقابل، فإن أميركا التي تنادي بحل الدولتين تستخدم حق الفيتو ضد حصول فلسطين على عضوية كاملة في الأمم المتحدة، ما يكشف نياتٍ مغايرةً تجاه الفلسطينيين ومستقبلهم. ورداً على الفيتو الأميركي، صرح عباس بأن «دولة فلسطين ستعيد تقييم علاقاتها مع الولايات المتحدة. نحن في بداية مرحلة جديدة وصعبة وأمامنا خيارات كثيرة للحفاظ على حقوقنا».

إلا أنها ليست المرة الأولى يلوّح فيها عباس بـ«خيارات» كردٍّ على مواقف أميركية وإسرائيلية من دون الذهاب أبعد من ذلك لأن وضع الفلسطينيين أصبح صعباً جداً وكذلك خياراتهم السلمية المعدومة.

إذ تتلقى السلطة، بموجب اتفاقية السلام الموقّعة وباتفاق 1994 أموال الضرائب التي يدفعها الفلسطينيون وتحتفظ بها وزارة المال الإسرائيلية بتحويلات شهرية.

وقد منع سموتريش أموال الضرائب الفلسطينية عن السلطة بعد السابع من أكتوبر، ليقع الاتفاق أخيراً على النروج كوسيط باحتفاظها بأموال الضرائب من دون أن ترسلها إلى عباس إلا بموافقة إسرائيل.

وقد عمل سموتريش على حجب أجزاء من هذه الأموال التي تبلغ نحو 188 مليون دولار شهرياً لابتزاز السلطة الفلسطينية ومعاقبتها.

وبالإضافة إلى شيطنة منظمة «الأونروا» المعنية بتقديم المساعدات على شتى أنواعها للفلسطينيين ومنْع الأموال الأميركية عنها، يجد الفلسطينيون أنفسهم في شحّ مالي حاد من دون أن يستطيع عباس فعل الكثير سوى حسم مهم من رواتب الموظفين الفلسطينيين البالغ عددهم 150.000.

وبعد السابع من أكتوبر، منعت إسرائيل انتقال 180.000 فلسطيني للعمل في المدن الإسرائيلية وقررت استبدالهم بعمال من آسيا وأفريقيا لخنق الاقتصاد الفلسطيني أكثر.

عندما أدرك ياسر عرفات بعد سنواتٍ من توقيع اتفاق السلام - المعروف بأوسلو عام 1993 وأوسلو 2 عام 1995 والذي أقرّ إعطاء حل كامل للدولة الفلسطينية عام 1999 - أن إسرائيل لن تسمح بقيام دولة، أعطى الضوء الأخضر للمشاركة بالانتفاضة الثانية ووافق على تسلُّم سلاح من إيران للعودة إلى الكفاح المسلّح.

أما الحال اليوم، فإن الضفة تحافظ على التنسيق الأمني مع إسرائيل ولكنها تعجز عن حماية الفلسطينيين وكذلك الأراضي التي من المفترض أن تكون تحت سيطرتها دون أي أفق مستقبلي لها.

وقد أكد نتنياهو أنه لن يسمح بقيام دولة فلسطينية وهو يحتلّ جزءاً من الضفة وغزة. وتالياً فإن الصراع مشتعل ومعه ستبقى منطقة الشرق الأوسط غير مستقرة ما دامت إسرائيل تَعتبر نفسها غير معنية بإعطاء حق الفلسطينيين وانها تستطيع الافلات من العقاب.

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي