الإدارة الأميركية ستفتح أبواب الهجرة تحت ستار إنساني... لمساعدة الفلسطينيين

«النكبة الناعمة» بانتظار الفلسطينيين... حين انتهاء الرصيف البحري

تصغير
تكبير

مهّدت الإدارة الأميركية على لسان وزير خارجيتها أنتوني بلينكن والناطقين باسمها بأن «إسرائيل قدّمت عرضاً سخياً لحركة «حماس»، التي أصبحت الكرة في ملعبها».

وتهدف هذه التصريحات التي ردّدها بلينكن في عواصم عدة إلى تبييض صفحة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو الذي لم يوافق على وقف إطلاق نارٍ دائم، ولا على خروج قوات الاحتلال الإسرائيلية من كامل القطاع ولا عودة جميع المهجّرين من شمال غزة إلى منازلهم من دون رقابة على أعدادهم وعلى أعمارهم.

وتالياً فإن الإدارة الأميركية لا تترك فرصةً مهما صغرت أو كبرت إلا وتؤكد شراكَتها الكاملة في ما يحدث في فلسطين من قتْل ومجازر. بل أكثر من ذلك، فهي تنتظر انتهاء بناء الرصيف البحري لتفتح أبواب الهجرة للفلسطينيين لمساعدة إسرائيل على «النكبة الناعمة» الفلسطينية المقبلة.

«تطهير عرقي»

طلبتْ إسرائيل 40.000 خيمة من الخِيَم الضخمة من الصين توطئةً لِما يشبه «التطهير العرقي الناعم» الذي تخطط له تحت عنوان «اجتياح رفح». وبسبب وجود نحو مليون فلسطيني مهجّر في رفح من كل أنحاء غزة خصوصاً من الشمال المدمّر بنسبة 90 في المئة من منازله وبنيته التحتية ومدارسه وجامعاته ومستشفياته ومصارف المياه الصحية ومياه الشفة وكذلك الكهرباء، فإن هؤلاء المهجّرين مستعدون للعودة لإعادة بناء منازلهم أو العيش بين الركام إذا استطاعوا. وإذا اختفتْ ملامح منازلهم وشوارعهم لدرجة يستحيل التعرف عليها وتحديد موقعها كما خططت ونفّذت إسرائيل، فإن مئات الآلاف من هؤلاء سيلجأون إلى الخيم الجديدة المستحدَثة التي ستقدمها لهم إسرائيل في مناطق الجنوب الغزاوي المتضرّرة بنسبة أقل بقليل من الشمال.

الرصيف البحري

وبعد انتهاء الرصيف البحري - الذي اقترحته إسرائيل عام 2015 وعاود نتنياهو طرحه عام 2019 ليستعيد هذا الطرح حيوية عام 2022 على لسان وزير الخارجية يسرائيل كاتس ويطلبه من جديد نتنياهو من الرئيس الأميركي جو بايدن في بداية الحرب الحالية – المتوقّع في منتصف الشهر الجاري، ستنهال العروض على الفلسطينيين. وهذه العروض ستتمثّل بهندام إنساني لمساعدة الفلسطينيين على تجاوز محنتهم بعد الكارثة الإنسانية والاجتماعية والمجازر التي حلّت بهم في حرب غزة.

«نكبة ناعمة»

إلا أن هذه العروض التي ستُقدم بغطاء استقبال الفلسطينيين الذين يرغبون طوعاً بالمغادرة إلى دول «الغرب المتحضّرة» هي بمثابة «نكبة ناعمة» ستساعد إسرائيل على تحقيق أهدافها الرامية لتهجير الفلسطينيين على أساس - كما ينص حزب الليكود الإسرائيلي الحاكم في وثيقة 1977 ويؤكد عليه الوزراء المتطرفون في حكومة نتنياهو - أن «وجود أي فلسطيني يمثل خطراً على أمن إسرائيل».

ومن هنا وبعيداً عن التحليل، فإن هذا هو الهدف لأنه طُرح قبل 8 أعوام من اشتعال حرب 7 أكتوبر وللهدف نفسه، ألا وهو تهجير الفلسطينيين. إلا أن الحالة التي أوصلتْ إليها إسرائيل سكان غزة ستدفع أعداداً لا يُستهان بها من هؤلاء إلى المغادرة على أمل العودة كما حصل لـ750.000 فلسطيني خرجوا بمفاتيح منازلهم عام 1948 ولم يعودوا لغاية اليوم، رغم قرارات الأمم المتحدة التي، من حيث المبدأ، من المفترض أن تكون مُلْزِمة وواجبة الاحترام، وهذا ما رفضته إسرائيل بتاتاً.

تهديدات نتنياهو

وما تهديداتُ نتنياهو باحتلال رفح، سواء حصل اتفاقٌ مع «حماس» أو لم يحصل، إلا تهويلٌ ليساعد على بثّ الذعر بين الفلسطينيين المهجّرين لمزيدٍ من تعميق حال اليأس التي يعيشونها. وإذا أطلقتْ إسرائيل فقط مرحلةً أوليةً بالدخول إلى حدود رفح مع مصر لإغلاق الممر، فإن ذلك من شأنه «إقناع» الفلسطينيين بالهجرة يوم تُفتح لهم هذه الأبواب عبر البحر والرصيف الإسرائيلي – الأميركي.

وقد مهّد بلينكن لهذا المخطط بإلقاء اللوم على «حماس»، «المتعنّتة والرافضة لأي صفقة سلام» واتهامها بأنها تريد الاستمرار بالحرب وبأنها هي التي تقف بين عودة الهدوء والسلام إلى غزة. بينما الحقيقة هي أن أميركا تساعد نتنياهو الذي ضخّم نتائج رفح وما يمكن أن ينتج عنها من مكتسبات دون الدخول إليها.

ولكن يبدو أن نتنياهو - الذي يُعتبر أذكى سياسي حَكَمَ إسرائيل منذ إنشائها - تَحَكَّمِ بالمتطرفين في حكومته ويستخدمهم ليهددوه ليظهر وكأنه الوحيد القادر على لجْمهم والسيطرة على القرار الأميركي وبأنه يتعرّض لضغوط من جميع الجبهات ولكنه ينجح بالاستمرار بين الألغام.

دخول رفح

بالإضافة إلى ذلك، فإن دخولَ رفح يسحب هذه الورقة التي يهدّد بها منذ أشهر، ما سيضرّ به أكثر إذا استخدمها كاملة (وليس فقط إغلاق الممر) وإذا نتج عن دخوله الفشلُ في القضاء على حماس والتسببُ بقتلِ عددٍ أكبر من الرهائن والأسرى الإسرائيليين. إذاً بدخول جيش الاحتلال لرفح، يَفقد نتنياهو ورقةَ التفاوض ويَظْهَر فشلُه في تحقيق أهدافه المعلَنة منذ اليوم الأول من الحرب على الرغم من مَجازره وتدميره لغزة. وليُخْفي فشلَه عليه الاستمرار بالتهديد في الوقت الراهن والسعي للوصول إلى هدف أكثر أهمية من الأسرى والرهائن وتدمير حماس، ألا وهو تهجير الفلسطينيين. فرئيس الوزراء الإسرائيلي سيرفض أي وقف لإطلاق نار دائم لأن ذلك من شأنه دفع عملية عودة المهجرين وإعادة البناء والترميم. وهذا ما لا يصبّ في مصلحة الصهيونية التي أعلنت أن فلسطين «هي دولة لليهود فقط».

الاستيلاء على غزة

فلا عرض سخياً ولا كريماً لـ«حماس» بل محاولة لإلقاء اللوم على المقاومة لتحميلها تبعات «النكبة الناعمة» الآتية، بعد لومها على دمار غزة لتبتعد الأنظار عن حقيقة أخرى ألا وهي وحشية العدو الإسرائيلي الذي اعتبر الفلسطينيين أهدافاً، بأطفالهم ونسائهم وشبابهم وشيوخهم، والذي شنّ حرباً انتقامية بهدف الاستيلاء على غزة مستقبلاً وتهجير شعبها، بمساعدة أميركية وشراكة كاملة متكاملة.

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي