عندما أعلنت وزارة المالية في 14 يناير الماضي مشروع قانون الميزانية الجديدة للسنة المالية المنتهية في 31 مارس 2021، بعجز مالي هو الأضخم في تاريخ ميزانيات الكويت، لم يعتقد مسؤولو الوزارة الذين بدا عليهم الامتعاض كثيراً، وهم يتلون الأرقام، أن هذا العجز التاريخي سيتفاقم بعد 7 أشهر ليصل إلى الضعف.

وإذا كانت أرقام العجز الأخيرة والتي حدثتها «المالية» على موقعها، لم تكشف سراً جديداً، إذ جرى تداولها حكومياً ونيابياً، غير مرة، إلا أنها تؤكد مجدداً ارتفاع مخاطر التحديات التي تواجه الموازنة العامة للدولة عن العام المالي الحالي (2020 /2021).

مسارات إنقاذ

ومحاسبياً، من المرجح بنهاية العام المالي الحالي تسجيل معدلات عجز فعلية بحدود جديدة أكبر بكثير حتى من المتوقعة، خصوصاً وأن الكويت مع بقية دول الخليج تتعرض لخسائر مليارية في عوائدها النفطية، في وقت لم تُرصد آليات حقيقية لمواجهة هذه التحديات، أو مسارات إنقاذ فعالة، ما يضعف قدرتها الحقيقية على تغطية التزاماتها الفعلية، وفي مقدمتها الرواتب والدعوم خلال الفترة المقبلة.

وإلى ذلك يكون السؤال مشروعاً، إذا كانت الحكومة استطاعت فعلاً دفع رواتب نوفمبر بخلاف ما كانت تشير إليه، من أين ستغطي رواتب ديسمبر أو يناير، أو بمعنى أكثر دقة، إلى أي شهر ستستمر في دفع الرواتب في ظل ارتفاع حدة مخاطر نفاد السيولة التي تتزايد يومياً على الميزانية العامة، دون أن يقابل ذلك توفير أي حلول حقيقية؟ وتؤكد الأرقام المنشورة أخيراً توقعات تضاعف حجم العجز المقدر في الموازنة عن العام المالي الحالي بأكثر من 82 في المئة ليصل إلى 14.05 مليار دينار في الموازنة المعدّلة مقارنة مع 7.714 مليار في الموازنة السابقة، مع الأخذ في الاعتبار وقف الاستقطاع إلى احتياطي الأجيال.

تحديات كبيرة

ووفقاً للبيانات المعلنة، يتضح أن الميزانية العامة تعرضت في الأشهر الماضية إلى مزيد من الضغوط، سواءً لجهة انخفاض الإيرادات أو لارتفاع المصروفات، ما ينبئ بمزيد من التحديات الصعبة المنتظر تصاعدها خلال الأشهر المقبلة، حيث تشير الأرقام إلى تراجع حجم إنتاج النفط اليومي بمستوى مليوني، علاوة على احتساب سعر برميل النفط عند 30 دولاراً بدلاً من 55، بانخفاض 45.5 في المئة قياساً بالأرقام التي كانت مقدرة في الموازنة قبل تعديلها.

بالطبع، تدفع هذه الأرقام إلى مزيد من التشاؤم، وسط تحديات كبيرة تواجهها القطاعات الاقتصادية كافة بسبب كورونا وغياب برامج التحفيز الفعّالة للتعامل مع الأزمة، أخذاً بالاعتبار أنه جرى تخفيض الإنفاق الرأسمالي الذي يشكل العصب الرئيسي في تحفيز القطاعات الاقتصادية للدولة، بنحو 682 مليون دينار، ما يعمّق جراح الاقتصاد وينذر بكارثة أخرى.

نهج متحفظ

وإذا كان السعر التقديري لبرميل النفط في الموازنة العامة للدولة، يُعد إحدى الآليات التي تسترشد بها الحكومة في احتساب إيراداتها، مع الاستمرار بنهج متحفظ غير متفائل منذ أكثر من عامين تحسباً لأسوأ الاحتمالات، واجهت الإيرادات النفطية خلال الأشهر الماضية تحديات مزدوجة، الأول منها يتعلق بتراجع الأسعار عموماً، حيث لم يتجاوز أعلى متوسط شهري منذ بداية العام المالي وحتى نهاية أكتوبر الماضي مستوى 45.08 دولار للبرميل، والتي سجلها في شهر أغسطس الماضي، فيما ينخفض متوسط سعر برميل النفط عن أول 7 أشهر من العام إلى مستوى الـ30 دولاراً للبرميل.

أما التحدي الثاني فيتعلق بحجم الإنتاج اليومي للكويت، والذي خفضته خلال العام المالي الحالي من متوسط يبلغ نحو 2.7 مليون برميل يومياً إلى أدنى مستوى له مسجل في يونيو الماضي، قارب الـ2.1 مليون برميل، فيما ظل حجم الإنتاج متذبذباً خلال الأشهر الماضية، ولم يتجاوز 2.292 مليون برميل يومياً.

ووفقاً لتلك المتغيرات، خفضت «المالية» حجم الإنتاج المقدر في الموازنة العامة للدولة مجدداً، إلى 2.5 مليون برميل يومياً، مقارنة بـ2.7 مليون برميل في الموازنة الأولى للعام الحالي، و2.8 مليون برميل في موازنة العام الماضي، ما دفع نحو تقليص حجم الإيرادات النفطية المتوقعة للعام بنحو 56.5 في المئة بانخفاض 7.283 مليار دينار لتصبح 5.628 مليار في الموازنة المعدلة بدلاً من 12.9 مليار في الموازنة الأولى.

4 في المئة خفض المصروفات المحقق رغم تكليف مجلس الوزراء الجهات الحكومية، بتخفيض حجم إنفاقها خلال موازنة العام المالي الحالية 20 في المئة، إلا أن جميع أجهزة الدولة لم تحقق سوى 4 في المئة فقط من الخفض المستهدف، وبما يعادل 945 مليون دينار، لتصبح المصروفات 21.55 مليار دينار مقارنة مع 22.5 مليار في الموازنة الأولى.

وأعطت هذه الجهات إشارات على عدم قدرتها على الاستمرار في التخفيض بتلك النسبة المطلوبة العام المقبل، ما يعزّز توقعات وجود صعوبة أكبر في معالجة الإنفاق في الدولة.

الإنفاق العام تقلص 10 في المئة

تقلص حجم إنفاق الدولة على الدعومات بنحو 10 في المئة بما قيمته 387 مليون دينار في الموازنة المعدلة ليصبح 3.578 مليار، مقارنة مع 3.965 مليار في الموازنة الأولى للعام الحالي.

وانخفض حجم الإنفاق الرأسمالي المقرر للعام الحالي بنسبة تفوق 19 في المئة، بما يعادل 682 مليوناً، إذ تراجع من 3.57 إلى 2.88 مليار، ما ينذر بمعاناة أشد لجميع القطاعات الاقتصادية في الدولة.