(الرجال والرجال قليلُ)... هناك سير لابد أن نتوقف عندها... سيرة رجل مكافح ومحب لوطنه، نذكر له بعض المواقف، إنه الرحّالة الكويتي / محمد عقيل مسلم.

طاف هذا الرجل دول العالم على دراجة هوائية صُنعت في عام 1919 والتي تم سلبها منه في جنوب اليمن أثناء رحلته، ومن ثم أهداه المعسكر البريطاني دراجة foldable (قابلة للطي)، صنعت في عام 1922 وأكمل رحلته بها.

البداية

الرحالة محمد عقيل من مواليد سنة 1939 كان طالباً في ثانوية الشويخ، شاهد دراجة نارية موضوعة بجانبها خيمة صغيرة، فبادر الحديث مع صاحب الدراجة النارية الذي قال له بانه مواطن ألماني يُدعى هونز برجا، وقد بدأ رحلته من أوروبا وسيستكمل الرحلة مروراً بالدول الخليجية.

وهنا قال له الرحالة الكويتي بأنه سيجوب جميع دول العالم على دراجة هوائية، فرد الرحالة الألماني بتعالٍ، وقال بأنكم أنتم العرب لن تتمكنوا من القيام بتلك الرحلات بسبب الجهد والتعب والمشقة والمخاطر، وهنا كان التحدي بين الشاب الكويتي محمد عقيل والرحالة الألماني.

بعد التخرّج من الثانوية العامة انتسب إلى الجيش، ثم بدأ بالتحضير والتدريب على قيادة الدراجة الهوائية لمسافات طويلة، ولم يبلّغ محمد عقيل، والدته، رحمها الله، بأنه سيقوم بتلك المغامرة الخطرة خوفاً عليها من التفكير، بل أبلغها بأنه سيكمل دراسته الجامعية، مفضلاً إخفاء الحقيقة عنها للحفاظ على سلامها النفسي، بل كان يومياً يدعو لها ويطلب رضاها لأنه لم يبلغها بتلك المغامرة.

فسافر -محمد عقيل - إلى ألمانيا وابتاع الدراجة الهوائية وقام بالتدريب المكثف لبناء اللياقية البدنية والعضلية وإنقاص الوزن، وبعد الاستعداد البدني والنفسي، بدأ الرحلة حول دول العالم في عام 1962، وهو في عمر الـ23 عاماً، وكان كتاب الله المجيد -القرآن الكريم - معه طوال الرحلة، فهو ربيع القلوب وأنيس النفوس، والمواظبة على قراءته تُذهب الهم والغم والحزن والضيق.

استخدم الرحالة - محمد عقيل - الدراجة الهوائية راكباً إياها في المناطق المنبسطة، وفي المناطق الوعرة حاملاً لها، وعند عبور البحار مستخدماً السفن، وفي بعض المناطق الخطرة استخدم المنطاد لعبورها، رحلة شاقة وخطرة محفوفة بالمخاطر الكثيرة.

وبالفعل تعرّض لتلك المخاطر من الحروب الأهلية في بعض البلدان، وقبائل أكلة لحوم البشر، والحيوانات المتوحشة، والثعابين، والبعوض، والحشرات المؤذية، والأسماك الخطرة، وشُح الطعام والماء، وتعرّض للغرق بالبحر لأيام عدة اثناء تحليقه بالمنطاد في كوريا، حتى تم إنقاذه بواسطة سفينة مبحرة... إلا أن إرادة هذا الشاب كانت هي شفرة وسر النجاح، فتمكن بكل جدارة من تحقيق الرقم العالمي في تلك الرحلة.

تغرب عن الأوطان في طلب العلا

وسافر ففي الأسفار خمس فوائد

تفرّج هم واكتساب معيشة

وعلم وآداب وصحبة ماجد

خير سفير للوطن:

الرحالة - محمد عقيل - التقى بكثير من الشخصيات، منهم ملوك ورؤساء دول والذين استقبلوه بكل حفاوة في تناول وجبة الغداء في البيت الأبيض مع الرئيس جون كينيدي، وصلى صلاة الظهر في إحدى غرفه، وركب معه الرئيس السوفياتي خروتشوف، بالمركبة البرمائية (اشتراها من فرنسا)، وأهدوه خطابات وميداليات وهدايا تذكارية، فكان خير سفيرٍ لوطنه.

هدايا و شهادات تقديرية نادرة من رؤساء وحكام الدول:

- رسالة خطية من أمير دولة الكويت الشيخ /عبدالله السالم، طيّب الله ثراه، وأطلق عليه لقب ابن الكويت البار.

- حاكم السعودية الملك سعود بن عبدالعزيز، طيّب الله ثراه، أهداه سيفاً ذهبياً.

- حاكم الأردن الملك حسين أهداه مسدساً.

- إمبراطور اليابان الإمبراطور هيروهيتو أهداه كاميرا وجهاز راديو.

- الرئيس جمال عبدالناصر، أهداه ميدالية النيل من الدرجة الأولى.

- حاكم العراق عبدالسلام عارف.

- الرئيس السوفياتي نيكيتا خروتشوف.

- الرئيس الأميركي جون كينيدي.

-الرئيس الهندي جواهر لال نهرو.

- الرئيس الماليزي.

- كان أول عربي يدخل الجزائر بعد استقلالها مباشرة، وتم وضع اسمه على النصب التذكاري في الجزائر.

وغيرهم الكثيرون من الشخصيات الذين قابلهم الرحالة الكويتي محمد عقيل، خلال فترة مروره بدول العالم.

فترة الرحلة:

استغرقت فترة رحلة الرحالة -محمد عقيل- 9 سنوات لتغطية دول العالم، منها 6 سنوات على الدراجة الهوائية، و3 سنوات باستخدام مركبته البرمائية للمرور في أجزاء من أوروبا وآسيا.

التغطية الإعلامية

في كل دولة ذهب إليها كانت الجرائد العالمية تكتب عنه، كذلك بدأ بكتابة التقارير اليومية للجرائد والمجلات مقابل أجر بسيط، في عامود اسمه «نافذة على العالم» لاطلاع القارئ على أخبار الرحالة الكويتي.

ختام الرحلة

- أهدى دراجته الهوائية للمتحف البريطاني ومسجل اسمه عليها.

- بعد أن فاز بالتحدي أخذ الميداليات والكؤوس من الرحّالة الألماني وقدمها هدية لجامعة الدول العربية.

ففي تلك الرحلة حول العالم أتاحت له فرصة ذهبية لمعرفة الشعوب واللغات والعادات والتقاليد، وحققت له الكثير من النجاحات.

أثناء غزو الكويت:

منذ اليوم الأول للغزو الغاشم سنة 1990، قام بالتواصل مع كوكبة من أصدقائه زملاء السلاح لتشكيل مجاميع للمقاومة لحماية الوطن، وكان الاتصال مباشرة مع القيادة السياسية باستخدام الهاتف عبر الأقمار الاصطناعية، وتم تشكيل مجاميع تضم جميع أطياف المجتمع، وقاموا منذ اليوم الأول بنقل الأسلحة من المعسكرات إلى المنازل في مناطق عدة، وتم تقسيم المجموعات كل مجموعة تتكوّن من 5 أفراد.

وبوشاية تم إلقاء القبض على الرحّالة -محمد عقيل -و تم أسره ونقله إلى سجون عدة في العراق، وتعرض لأبشع أنواع التعذيب باستخدام السلك الكهربائي -وخلع الأظافر- والتعليق من الرجلين والضرب المبرح - ومع ذلك لم يبلّغ عن أي شخص ممَنْ عملوا معه في مقاومة المحتل، وتم إصدار حكم الإعدام بحقه، وكان محتسباً إلى المولى عز وجل ومسلّماً أمره إليه، وكتب المولى عز وجل له النجاة، وتم فك أسره بواسطة الصليب الأحمر وعاد إلى الوطن حراً كما عادت الكويت حرة أبيّة.

ختاماً:

الرحّالة -محمد عقيل مسلم - من الشخصيات البارزة في الوطن له بصمات لا تُمحى، ففي وقت الرخاء قام بهذه المغامرة المميزة للسفر إلى دول العالم مستخدماً دراجة هوائية لرفع اسم الكويت في المحافل العالمية، وفي وقت الشدة ابان الغزو الغاشم و لحبه اللامحدود لوطنه قام بمقاومة المحتل لدحره عن وطنه.

فتلك الشخصية وغيرها الكثيرون لهم الحق علينا لتكريمهم، وذكر أعمالهم للأجيال القادمة من خلال وزارة التربية، والإعلام المرئي والمسموع، فتلك الشخصيات لها سيرة نجاح ملهمة للشباب.

اللهم احفظ الكويت آمنة مطمئنة، والحمد لله رب العالمين.