في تطور يُعدّ من أبرز تجليات الأزمة المتشابكة في العلاقات الثلاثية، بين واشنطن وتل أبيب ودمشق، تشهد المنطقة تصاعداً حاداً في التوترات جراء السياسات العسكرية الإسرائيلية المتنامية داخل الأراضي السورية، وفق ما تكشفه مصادر أميركية وإسرائيلية وسورية موثّقة.

وفي السياق، قال رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، إن إسرائيل تريد إنشاء منطقة منزوعة السلاح من دمشق حتى جبل الشيخ، مضيفاً أنه يمكن التوصل لاتفاق مع السوريين لكن مع التمسك بمبادئ الدولة العبرية.

وأعلن خلال زيارته مستشفى شيبا برفقة جنود من اللواء 55 الذين أصيبوا في تبادل إطلاق النار في سوريا، أمس، «أننا مصرون على الدفاع عن البلدات الإسرائيلية قرب الحدود بما يشمل الحدود الشمالية».

وتابع رئيس الوزراء أنه يتوقع من سوريا «إنشاء منطقة عازلة منزوعة السلاح من دمشق إلى المنطقة العازلة، وبالطبع من مداخل جبل الشيخ وقمة جبل الشيخ. نحتفظ بهذه الأراضي لضمان أمن المواطنين الإسرائيليين، وهذا ما يلزمنا به... بحسن نية وفهم لهذه المبادئ، من الممكن أيضاً التوصل إلى اتفاق مع السوريين، لكننا سنتمسك بمبادئنا في كل الأحوال».

كما التقى نتنياهو ووزير دفاعه يسرائيل كاتس، نائبة المبعوث الأميركي إلى الشرق الأوسط مورغان أورتاغوس.

من جانبه، أجرى وزير الخارجية جدعون ساعر، مع أورتاغوس «نقاشاً مفيداً في شأن الوضع في لبنان».

وأضاف «قلت لأورتاغوس إن حزب الله هو من ينتهك السيادة اللبنانية، وإن نزع سلاحه أمر بالغ الأهمية لمستقبل لبنان وأمن إسرائيل».

والإثنين، أكد الرئيس دونالد ترامب، في منشور عبر منصة «تروث سوشيال»، أن من «المهم للغاية» أن تحافظ إسرائيل على «حوار قوي وحقيقي» مع دمشق، مشدداً على أن «لا شيء يجب أن يحدث بما يعرقل تحول سوريا إلى دولة مزدهرة».

وفي الإطار نفسه، تُجمع المصادر الأميركية والإسرائيلية والسورية الموثّقة، على أن الأزمة الحالية تمثل «أخطر اختبار للعلاقات الأميركية - الإسرائيلية منذ سنوات»، وتُشير إلى وصول الطرفين إلى «مفترق طرق» حقيقي في السياسة، وسط مخاوف من تقويض المصالح الإستراتيجية الأميركية في سوريا.

وعبّر مسؤول أميركي رفيع المستوى في البيت الأبيض، تحدث لشبكة «سي إن إن» عن «خيبة أمل كبيرة» إزاء العملية الإسرائيلية في قرية بيت جن السورية، أخيراً.

وقال: «لم نكن على علم مسبق، وهذا يخلق أزمة ثقة... لدينا اتفاق غير مكتوب مع الإسرائيليين يقضي بإعلامنا قبل أي عمليات عسكرية كبرى في سوريا. هذا الاتفاق تم خرقه».

وتعزز هذا الموقف بوثيقة داخلية لوزارة الخارجية، كشفت عن فحوى اجتماع طارئ عُقد في نوفمبر الماضي، ضمّ المبعوث الخاص توم باراك ونائب مستشار الأمن القومي، وخلص إلى أن «العمليات الإسرائيلية تهدد المصالح الأميركية الإستراتيجية في سوريا».

ونقلت عن باراك «نحن نستثمر سياسياً في استقرار سوريا، وإسرائيل تقوض هذا الاستثمار بعمليات غير مسؤولة».

كما نقلت صحيفتا «إسرائيل هيوم» و«نيويورك تايمز» عن مصدر دبلوماسي أن باراك أجرى «3 اتصالات هاتفية مع مستشار الأمن القومي الإسرائيلي في أقل من 48 ساعة»، كانت «نبرتها حادة وغير مسبوقة في العلاقات الثنائية».

وقال المصدر إن الرسالة كانت واضحة «‹إما تتوقف هذه العمليات، وإما سنراجع دعمنا الدبلوماسي لإسرائيل في المحافل الدولية».

من جانبه، أكد باراك، أنه وعد الرئيس أحمد الشرع بأن الولايات المتحدة «ستستخدم نفوذها لوقف هذه الانتهاكات»، وطلب منه «التريث وعدم الانجرار للرد العسكري».

كما كشف تقرير سري لوكالة الاستخبارات المركزية (سي آي إي)، عُرض على مجلس الأمن القومي، عن تحليل للدوافع الإسرائيلية متعددة المستوى:

- الهدف العسكري المباشر: اعتقال عناصر يُزعم ارتباطهم بحركة «حماس» و«حزب الله».

- الهدف السياسي: إرسال رسالة للشرع بعدم التساهل مع وجود «قوات المقاومة» على أراضيه.

- الهدف الإستراتيجي: اختبار رد الفعل الأميركي والسوري على انتهاكات السيادة، وفرض حقائق جديدة على الأرض.

وبينما أفاد مصدر في البنتاغون، صحيفة «وول ستريت جورنال» بأن العمليات الإسرائيلية في سوريا شهدت «تصعيداً ملحوظاً»، حذّرت لجنة الشؤون الخارجية في مجلس الشيوخ في مذكرة داخلية من أن استمرار العمليات غير المنسقة «قد يدفع دمشق نحو التحالف مع إيران وروسيا بشكل أعمق، وتعريض القوات الأميركية المنتشرة في المنطقة للخطر، وإعاقة خطط دمج سوريا في اتفاقيات إبراهيم».

من جانبها، تكشف مصادر سياسية إسرائيلية، أن نتنياهو يسعى لتأجيل أي اتفاق أمني مع سوريا إلى «ما بعد عودته من واشنطن ولقائه الرئيس ترامب وحصوله على العفو، ما يمهّد الطريق للانتخابات المقبلة بقوة، مستنداً إلى دعم اليمين والمستوطنين، وتعزيز تحالفه مع التيار الإنجيلي واليمين الأميركي».

وبينما يصرّ مصدر عسكري إسرائيلي على أن بلاده «لن تتوقف عن استهداف كل من يهدد أمن وسلامة الإسرائيليين»، تشكّك مصادر أخرى بوجود «اتفاق إسرائيلي - أميركي واضح بعدم القيام بعمليات في الأراضي السورية»، ما يترك الباب مفتوحاً أمام مزيد من التصعيد الذي يضع التحالف الإستراتيجي التاريخي على محكّ الاختبار الأصعب.