قاسم: سندافع حتى لو أَطْبَقَت السماء على الأرض... ولن يُنزع السلاح ولو اجتمعت الدنيا بحربها علينا

تَدافُع محموم في لبنان بين الدبلوماسية والميدان... هل صارت الضربة «حتمية»؟

عناصر من الجيش اللبناني تدخل المبنى المُهدد في بلدة يانوح - قضاء صور
عناصر من الجيش اللبناني تدخل المبنى المُهدد في بلدة يانوح - قضاء صور
تصغير
تكبير

- تفتيش المنازل جنوب الليطاني «فُرض» من يانوح وفق معادلة: ابحثوا أو ندمّر

ارتسم في بيروت سيناريوان حيال الأيامِ الفاصلة عن نهاية 2025، لكل منهما «عناصر تَدعمه»، ويَتقاطعان عند حتميةِ أن تكون 2026 وبداياتِها مَدْخَلاً لمرحلةٍ جديدةٍ في لبنان تَرْبطه بـ «الشرق الجديد» وسلامه المفترض، على البارد أو... بالقوة.

السيناريو الأوّل يَتَمَحْوَرُ حول أن كل ما يَشهده لبنان من حراكٍ في اتجاهه ومن مبادراتٍ عربية وغربية للدول الراعية له، إلى جانب مسار «الميكانيزم» المعزَّزة دبلو-مدنياً، ما هو إلا في إطار ترسيمِ مرحلة ما بعد الضربة العسكرية التي تَعتبر أوساط سياسية أنها صارت «واقعةِ حُكْماً» مع انتهاء المهلة التي حدَّدها الجيشُ اللبناني لتطهير منطقة جنوب الليطاني من سلاح «حزب الله» بحلول 31 الجاري، والتي تصرّ إسرائيل على أنها لتفكيك ترسانة الحزب من شمال الليطاني أيضاً.

"اختصار الطريق"

ومن ضمن هذا السيناريو، تشير الأوساطُ إلى أن الكلامَ المتداوَل عن «تجميد» سلاح «حزب الله» أو «احتوائه» شمال الليطاني، كَمَخْرَجٍ لتجنّب حربٍ أوسع و«اختصار الطريق» نحو حلٍّ مستدام على قاعدة «تنويم» الترسانة وترْكها «لتَنْتهي صلاحيته» ولإفقادها «جدوى الاستخدام» بنزْع «وظيفتها»، لا يَلقى صدى عند الأميركيين وتَرْفضه إسرائيل التي تترجم بالنار، كما فعلتْ اليوم وقبله، إصرارها على ضرب أي بنية عسكرية للحزب، قائمة أو تشكّل أداةً لتطوير الأسلحة وتعديلها، وعدم تسليمها بأن تبقى المستودعات أشبه بـ «براميل بارود» أو «قنابل موقوتة».

والسيناريو الثاني، يشير إلى أن الأسبوعيْن المقبليْن مرشّحيْن لبلورة «مُلْحَقٍ» للمسار الذي أفْضى إلى تعليقِ إسرائيل ضربةً كانت وشيكة ضدّ «حزب الله» ولبنان، وذلك عبر ضغط أميركي على تل أبيب «ذخّرتْه» موافقة بيروت على رفع مستوى التمثيل في اللجنة الخماسية المولجة الإشراف على تطبيق اتفاق 27 نوفمبر 2024 من عسكري الى مدني – دبلوماسي بتكليف السفير السابق سيمون كرم ترؤس وفد «بلاد الأرز» إلى اجتماعاتها.

وبموجب هذا السيناريو، فإنّ ترتيباتٍ تُعَدّ عبر قنواتٍ عدة لمحاولة تمديد «فترة السماح» للبنان ريثما تكون انقشعتْ الرؤيةُ في العمق الاقليمي الذي يشكل «مَسْرَحَ العمليات» الذي يتحرّك عليه الواقع اللبناني، وتحديداً الملف الإيراني، وذلك سواء على قاعدة إعلان الحاجة إلى «وقت إضافي» لإنجاز الجيش مَهَمّته جنوب الليطاني أو قيام قيادته بالتوازي مع رفْع تقريرها «الأخير» في 5 يناير عن حصيلة الأشهر الثلاثة من عملها جنوب النهر بتحديد جدول زمني لسحب السلاح شمال الليطاني، ولو على مراحل وأشهر قليلة.

ووفق السيناريو نفسه، فإنّ الإرجاء الجديد لأي عمل عسكري إسرائيلي ضد «حزب الله» سيكون بأفقِ أن السلاحَ شمال النهر بات دفاعياً حُكْماً، بإعلان من قيادة الحزب نفْسه مراراً، وبأن تجربة غزة لا تتيح التوهّم بالقدرة على تسديد ضربة ساحقة للحزب عسكرياً تقضي على منظومته، وبأنّ أي تَفاهُم مع إيران حول الملف الاقليمي والنووي واخواته (البالستي خصوصاً) سيسمح بإدارةٍ مرنة لقضية الصواريخ البالستية والمسيّرات التي يملكها ذراعها الأقوى (حزب الله)، ولو اقتضى الأمر «طائفاً للسلاح» على قاعدة تطبيق الإصلاحات التي لم تُنفّذ بعد من «طائف 1989» الذي أنهى الحرب اللبنانية أو إدخال تعديلاتٍ «جينية» عليه توسّع حصة المكوّن الشيعي من «كعكة» الحُكْم عبر توليتها مناصب «استراتيجية».

على أن مصادر متابعة اعتبرتْ أن ثمة إشارتيْن بارزتين لاحتا بفارق ساعات وعزّزتا مَيْل الدفة نحو السيناريو العسكري وهما:

- ما نُقل عن الرئيس الأميركي دونالد ترامب من «أن هناك دولاً ترغب في التدخل والتعامل مع حزب الله في لبنان»، مضيفاً خلال دردشة مع الصحافيين في البيت الأبيض: «أقول الآن لستم مضطرين إلى فعل ذلك. قد تضطرون لاحقاً، لكنْ لدينا دول تتطوّع للتدخل والتعامل مع هذا الملف بالكامل».

وتابع: «لدينا سلام عظيم في الشرق الأوسط وهذا لم يحدث من قبل. وأعتقد أنه سلام قوي للغاية».

وتمّ التعاطي مع كلام ترامب على أنه بمثابة تكرارٍ لـ «نموذج غزة» الذي اعتمده إبان التفاوض مع «حماس»، تحت النار الإسرائيلية و«مطرقته» التي هدّدت مراراً بـ «جهنّم» أكثر التهاباً، ورسالة بأن السلام آتٍ على لبنان ومعه ولو... بالقوة.

- أما الإشارة الثانية فجاءت على لسان الأمين العام لـ «حزب الله» الشيخ نعيم قاسم، الذي بدا وكأنه في إطلالته رسّم «حدود ما بعد الحرب» التي أعلن أنها «إذا حصلت فلن تحقق أهدافها»، متوجّهاً إلى الولايات المتحدة «فلتعلم أميركا أننا سندافع حتى لو أَطْبَقَت السماء على الأرض، ولن يُنزع السلاح تحقيقًا لهدف إسرائيل ولو اجتمعت الدنيا بحربها على لبنان».

خالد مشعل

وفي امتداد لكلام القيادي في حركة «حماس» خالد مشعل قبل أيام قليلة الذي أعلن فيه أن «نزع السلاح عند الفلسطيني يعني نزع الروح»، قال قاسم: «افهَموا جيداً: الأرض والسلاح والروح خلطة واحدة متماسكة. أيّ واحد تريدون نزعه أو تمسّون به، يعني أنّكم تمسّون بالثلاثة وتريدون نزعها. وهذا إعدام لوجودنا، ولن نسمح لكم بذلك، ولن يكون هذا. هذه سرديتنا قدمناها، وهذا موقفنا الذي لن نتزحزح عنه».

وإذ أكد أنّ «المقاومة مستعدّة لأقصى تعاون مع الجيش اللبناني وموافِقة على استراتيجية دفاعية للاستفادة من قوة لبنان ومقاومته، لكن ليست مستعدة لأي اطار للاستسلام لأميركا وإسرائيل»، سأل: «إذا كان الجيش غير قادر على الحماية هل نطالب بنزع سلاحه؟ وإذا كانت المقاومة لم تحقق الحماية ويتغوّل الإسرائيلي هل نطالب بنزع القوى؟»، موضحاً أنّ «حصرية السلاح بالصيغة المطروحة هو مطلب أميركي – إسرائيلي وإعدام لقوة لبنان».

ودعا الدولة اللبنانية «إلى التوقّف عن التنازلات، والتراجع، وإعادة حساباتها»، وقال: «طَبِّقوا الاتفاق، وبعد ذلك ناقشوا في الاستراتيجية الدفاعية. لا تطلبوا منّا ألّا ندافع عن أنفسنا، فيما الدولة عاجزة عن حماية مواطنيها. فلتؤمّن الدولة الحماية والسيادة، وعندها نضع كل شيء على طاولة حوار الاستراتيجية الدفاعية، ونصل إلى النتيجة».

وفي الوقت الذي اعتبرتْ المَصادر المتابعة أن مواقف قاسم عمّقت متاعب لبنان الرسمي وضيّقت هوامش المناورة في ما خص مرحلة شمال الليطاني، وتالياً عكست استشعاراً بأن «العاصفة آتية لا محال»، توقفت عند تطوّرين بالغي الأهمية يرتبطان بالفترة الفاصلة عن 31 الجاري وما بعدها:

- الأوّل إكمال اسرائيل تصعيدها الواسع الذي قامت به الجمعة بغارات عنيفة في الجنوب والبقاع، بارتقائها نحو محاولة فرْض معادلة جديدة في إطار ضغطها عبر «الميكانيزم» على الجيش اللبناني لتطوير عملياته جنوب الليطاني نحو دخول الأملاك الخاصة ومنازل الأهالي وتخيير هؤلاء بين تفتيشها و«نبْش» ما تزعم أنه بداخلها أو تسويتها بالأرض أمام عيونهم.

وفي هذا الإطار جاء التهديد بقصف مبنى في بلدة يانوح (قضاء صور) بعد تفتيشه مرة من الجيش اللبناني وقوة «اليونيفيل» بناءً على طلب «الميكانيزم»، أي «شكوى» اسرائيلية، قبل أن يعترض أصحاب المنزل غير المأهول على تفتيشه مرة ثانية، فتشهر تل أبيب «بِطاقة تدميره من الجو».

ومع إعلان الناطق باسم الجيش الإسرائيلي أفيخاي أدرعي وضع «إكس» على المنزل أي توجيه إنذار بإخلاء محيطه كاتباً عبر منصة «اكس» سيهاجَم «جيش الدفاع على المدى الزمني القريب بنى تحتية عسكرية تابعة لحزب الله، وذلك للتعامل مع المحاولات المحظورة التي يقوم بها حزب الله لإعادة إعمار أنشطته في المنطقة»، عاد الجيش اللبناني ومعه «اليونيفيل» ودخل المنزل من جديد وسط تقارير عن أنه نفّذ عملية حفْر ساعياً لتفادي تنفيذ تل أبيب تهديدها.

- والتطور الثاني، هو المرتقَب في 18 الجاري حيث تستضيف باريس اجتماعاً أميركياً - سعودياً - فرنسياً، يشارك فيه قائد الجيش اللبناني العماد رودولف هيكل.

وفيما نقلت قناة LBCI أن «اجتماع باريس يُعقد مساء 17 و18 لاستكمال البحث بتطبيق 1701 والتزام الحكومة اللبنانية نزع سلاح حزب الله جنوب الليطاني ووضع أطر المرحلة الثانية شماله»، مشيرة الى أنها «ستبحث الإصلاحات الاقتصادية والمالية والانتخابات النيابية»، اعتبرت أوساط سياسية في بيروت أن هذا اللقاء وأسوة بمفاوضات الميكانيزم هو في إطار ملاقاة «اليوم التالي» للضربة المرجّحة والتي زاد أيضاً من رجحانها أو جدّية التحذيرات منها:

- ما كشف وزير الخارجية اللبناني يوسف رجي عبر قناة «الجزيرة» من ان «لبنان تلقى منذ أسابيع، رسائل تحذيرية من جهات دولية وعربية متعددة في شأن استعداد إسرائيل لعملية عسكرية موسعة واعتداءات مكثفة»، مؤكدا أن «الاعتداءات الإسرائيلية لم تتوقف يوماً، ما يدفع لبنان للسعي الدبلوماسي المستمر مع أصدقائه في المجتمع الدولي والعربي لوقف هذه الاعتداءات».

- إعلان «هيئة البث الإسرائيلية» أن الجيش يخطّط لشنِّ هجوم واسع النطاق على أهداف «حزب الله» في جميع أنحاء لبنان، في حال فشلت جهود الحكومة اللبنانية وجيشها في نزع سلاح الحزب بحلول نهاية الشهر.

وبحسب «الهيئة» تم إبلاغ الولايات المتحدة أنه في حال لم يقم حزب الله بنزع سلاحه بشكل فعال، فإن إسرائيل ستفعل ذلك بنفسها، حتى لو أدى ذلك إلى أيام من القتال أو حتى تجدد القتال في الشمال على نطاق واسع.

وذكرت أن الولايات المتحدة نقلت هذا التحذير الإسرائيلي إلى الحكومة اللبنانية، لكن اللبنانيين أكدوا أن عملية تنفيذ «حصرية السلاح» مستمرة ومعقَّدة، وبحاجة إلى مزيد من الوقت لتحقيق أهدافها.

وترافق ذلك مع ما نقلته «القناة 12» الإسرائيلية من أنَّ «المستوى الأمني يضغط باتجاه شن عملية تستهدف حزب الله في لبنان لمنع انضمامه إلى مواجهة محتملة مع إيران».

كما نقلت عن مصادر أمنية تأكيدها أن «لا مفر من عملية لاستهداف حزب الله لمنعه من استعادة قدراته العسكرية، وأن مثل هذه العملية قد تؤدي إلى التوصل لتسوية مع لبنان».

وعلى وقع هذه المناخات المحتدمة، ينتظر لبنان الخميس وصول رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، في محطة جديدة من محاولات القاهرة لتجنيب «بلاد الأرز» تصعيداً إسرائيلياً كبيراً، والتي كانت بدأ مع رئيس استخباراتها حسن رشاد ثم وزير خارجيتها بدر عبد العاطي.

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي