تشهد الكويت في السنوات الأخيرة تحولاً إستراتيجياً نحو تمكين القطاع الخاص ليكون شريكاً أساسياً في التنمية المستدامة، انسجاماً مع رؤية الكويت 2035 التي تهدف إلى تنويع مصادر الدخل وتقليل الاعتماد على القطاع الحكومي.
وتشير التقارير إلى أن نحو 24 % من المواطنين يعملون في القطاع الخاص، وهو رقم في ازدياد مقارنةً بالأعوام السابقة، كما أن أكثر من 70 % من فرص العمل الجديدة خلال السنوات الأخيرة جاءت من شركات خاصة.
ورغم هذا التطور، مازال القطاع الخاص بحاجة إلى بيئة تنظيمية وتشريعية داعمة، ومساحات تمكّنه من التوسع في أنشطته وخدمة المجتمعات السكنية.
في المقابل، يمثل المجتمع المدني الذراع الاجتماعية للتنمية من خلال الجمعيات والأندية والمراكز التي تستقطب آلاف المتطوعين، لاسيما من فئة المتقاعدين الذين يوظفون خبراتهم في العمل التطوعي. غير أن هذه الطاقات تصطدم بندرة الدعم المالي، سواء من الحكومة أو القطاع الخاص، مما يحد من قدرتها على خدمة المجتمع وتنظيم المبادرات.
من واقع تجربتي الممتدة في القطاع الخاص والمجتمع المدني منذ عام 2003، وتدرجت فيها من أمين سر جمعية العلاقات العامة الكويتية وعضوية في مجلس إدارة رابطة الأدباء الكويتية، فضلاً عن عضويتي السابقة في جمعية الصحافيين وانتسابي إلى جمعية الهلال الأحمر، لمست عن قرب أن الحل لا يكمن في زيادة الدعم الحكومي فقط، بل في تمكين الجمعيات من الاستثمار الذاتي المنظم ضمن أطر قانونية ورقابية تحقق التكامل بين التنمية الاجتماعية والاقتصادية.
ويمكن السماح لجمعيات النفع العام باستثمار ما لا يتجاوز 30 % من مساحتها عبر مشاريع خدمية مثل المسارح والملاعب والمساحات التجارية الصغيرة التي تخدم المنطقة وتحقق دخلاً تشغيلياً مستداماً.
بهذه الصيغة، يمكن للجمعيات تحقيق دخل شهري يتراوح بين 5 و15 ألف دينار، على أن تؤول 50 % من العائدات إلى وزارة الشؤون لدعم خزينة الدولة، ويُستخدم الباقي لتغطية النفقات وتنظيم الأنشطة بإشراف ورقابة شهرية.
إن مثل هذا التوجه يحقق مكاسب مشتركة للدولة والقطاع الخاص والمجتمع المدني، فالدولة تستفيد من عوائد الإيجارات، والقطاع الخاص يجد فرصاً جديدة للاستثمار، والجمعيات الأهلية تكتسب استقلالية مالية تمكنها من أداء دورها التنموي. كما تُفتح مجالات للمشاركة أمام الشباب والمتقاعدين في بيئة عمل تطوعية منظمة ومستدامة.
العمل في المجتمع المدني ليس ترفاً، بل شراكة وطنية تكمّل أدوار الدولة والقطاع الخاص. ولنجاح هذه الشراكة، نحتاج إلى اتفاقيات مرنة ومستمرة بين الجمعيات والجهات الحكومية والقطاع الخاص، قائمة على مبدأ المنفعة المتبادلة لا الرعاية الموسمية.
فإذا ما أُتيح للجمعيات الاستثمار الذاتي المنظم، يمكنها أن تتحول إلى مؤسسات تنموية تسهم في توطين التنمية وتعزيز المشاركة المجتمعية وخلق بيئة اقتصادية واجتماعية متكاملة تخدم الكويت ومستقبلها.
Malmoasharji@gmail.com