أجمع المتحدثون في ندوة «الإنسان في الشعر الكويتي.. د. سعاد الصباح نموذجاً»، التي احتضنتها مكتبة الكويت الوطنية مساء الأربعاء الماضي، بحضور الشيخة فضيلة محمد عبدالله المبارك الصباح، والأمين العام المساعد لقطاع الثقافة في المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب عائشة المحمود، أجمعوا على أن سعاد الصباح خاضت في مدونتها الشعرية التي بدأتها في النصف الثاني من القرن الماضي صراعاً لم يهدأ حتى الآن في سبيل تكريس حق الإنسان في الحرية والكرامة، والتعبير عن رأيه وأحاسيسه بعيداً عن القمع والمصادرة.
وقد ربط المتحدثون، خلال الندوة التي أدارها الكاتب والإعلامي علي المسعودي، المضمون بالشكل في أشعار الدكتورة سعاد الصباح، واستقصوا كيفية توظيفها التقنيات الفنية في إبراز مرتكزها الأثير، ألا وهو الإنسان، رجلاً وامرأة وطفلاً.
«خيط متداخل»
فقد أكد الناقد والأكاديمي الدكتور إيهاب النجدي، في بحثه «الدراما والإنسان.. ملامح من شعر سعاد الصباح»، تميّز شعر الدكتورة سعاد الصباح بعناصر فنية وجمالية عديدة، سواء على مستوى البناء اللغوي، أو على مستوى التشكيل التصويري.
وأوضح أنه هناك عناصر درامية فاعلة كانت حاضرة أيضاً، بوصفها خيطاً متداخلاً في نسيج التجربة الشعرية، ويُسهم في تحقيق البراعة في التعبير عن الدلالات الوجدانية، حيث حققت الشاعرة المزاوجة بين الدرامية والشعرية، عبر توظيف تقنيات سردية في الخطاب أبرزت ملامح الإنسان، وتمثل ذلك في ديوانها «إليك يا ولدي» الذي اختص في أغلبه برثاء ولدها البكر «مبارك» الذي عاجلته المنية في عمر الورود، وعمره اثنا عشر عاماً.
وأظهر النجدي دور الحوار في قصيدة «في طائرة الموت»، حيث تنحّى الحدث لصالح التصوير النفسي والاجتماعي.
«تجسيد الإنسان»
من جانبه، أوضح الناقد وأستاذ الأدب العربي في الجامعة الأردنية الدكتور بسام قطوس، أن د. سعاد الصباح حملت همَّ الإنسان العربيّ، والدفاع عن حقه في الحرية والكرامة في مدونتها الشعرية الممتدة على نحو أكثر من عشرين مجموعة شعرية، حيث كان الإنسان أحد أهم العناوين التي عاينتها وهي تحمل هموم الثقافة العربية والمثقفين العرب.
وقال: «حفرت شعرية سعاد الصباح بعمق على ثلاثة أقانيم (جواهر): الحرية، والحب، والإنسانية. وفي الشكل الفني مارست الإبداع والتجريب، بوصف التجريب علامة على عدم الركون أو الاستسلام لشكل واحد. ومفتاح هذه الجواهر هو الحب الذي أبدعت من خلاله في رسم مسارات الحرية والإنسانية. وكان نشدانها الحرية مفتاحاً للتمرد على بعض العادات البالية، وفتحاً لآفاق الحب السامي؛ فالحرية أنجبت لها التمرد، والحب ذهب بها إلى الذات في شكلها، وإلى الإنسان في وجوده وغربته في هذا الوجود، فكثيراً ما مَوضَعتْ ذاتها في نصها الشعري، وكثيراً ما ذوّتت موضوعَها باحتراف تخييلي.
«الأنا والآخر»
بدورها، استقصت الدكتورة أنوار السعد، صور الوطن وكيفية أنسنته في شعر سعاد الصباح، وبحثت في سيكولوجية المرأة وانتماءاتها وصفاتها التي عكستها قصائد الشاعرة سعاد الصباح من خلال اللفظة المستخدمة وإيقاعها، أو عن طريق توظيف الخصائص الشعرية الخاصة بنفسية المرأة.
وأوضحت السعد أن الشاعرة سعاد الصباح، حددت ذاتها وعالمها وسمات شخصيتها من خلال الآخر، الذي تراه الرجل الذي أكمل نصف حياتها، أو الأم التي احتوتها بطيبتها وحنانها، أو الوطن الذي سكن فيها وأشعرها بإنسانيتها. كما أنها استحضرت الوطن بهيئة الأم فأنسنت الوطن جاعلة له قلباً نابضاً بالحب ولديه لمسات تشبه لمسات الأم.
أما عن علاقة الشاعرة بالآخر/ الرجل، فأوضحت السعد أنها علاقة بسيطة ومعقدة في الوقت ذاته، فهو ليس الحبيب فقط وإنما المعلم الذي علم قلبها الشعر وعلم قلمها الجمال والفوضى، ولكننا نجدها تثور على الصمت، وتحدد شخصيتها الثائرة على كل ما هو حولها وعلى المجتمع الذكوري الذي يرى في المرأة «تمثال رخام».
«الإيقاع وأبعاده الدلالية»
إلى ذلك، اهتمت الدكتورة تماضر زاهي العطروز، بتبيان الإيقاع وأبعاده الدلالية في الانسجام السياقي الافتراضي في ديوان سعاد الصباح «في البدء كانت الأنثى»، مشيرة إلى أن سعاد الصباح مثّلت، حسب قولها، صوتاً نسائياً فارقاً في المشهد الشعري العربي، تجاوز حدود التقليد ليؤسس لجمالية خاصة تستمد قوتها من المضمون الجريء والشكل المبتكر.
وأوضحت أن ديوان «في البدء كانت الأنثى» ليس مجرد مجموعة شعرية، بل هو بيان أدبي وفلسفي يعلن تمرد المرأة على القيود المفروضة، ويُعلي من شأن ذاتها ووعيها. وفيه يتجاوز مفهوم الإيقاع كونه مجرد خاصية صوتية أو عروضية؛ ليغدو بنية شاملة تساهم في إحكام نسيج النص، وتعميق دلالاته، وخلق أثر نفسي عميق لدى المتلقي.
ولفتت العطروز، إلى أن الإيقاع في شعر سعاد الصباح، ليس مجرد زينة فنية، بل هو جوهر الفعل الشعري التمردي.
«الإنسان مركز»
أوضح بسام قطوس، انشغال سعاد الصباح، بقضية الحب والحرية من أجل المرأة والطفل، وبالعدالة الاجتماعية للإنسان بعامة، فهاجسها تقديم رؤية تنويرية تتماشى وروح العصر، مشيراً إلى أن الإنسان كان مركزاً في شعرها، حيث الحب والحرية والكرامة.