وفق تقرير صدر من وكالة The Associated Press، بعد ساعات من وقوع جريمة قتل خمسة صحافيين في مستشفى ناصر بمدينة خان يونس، ونقلاً عن لجنة حماية الصحافيين (المنظمة العالمية المستقلة غير الربحية التي تعمل على تعزيز حرّية الصحافة في كل أنحاء العالم)، فإن عدد الصحافيين الفلسطينيين الذين قتلوا بنيران إسرائيلية في غزة، خلال الحرب الدائرة منذ 7 أكتوبر 2023، وصل إلى 189 صحافياً، في حين، عدد الصحافيين القتلى في الحرب الروسية الأوكرانية، الدائرة منذ 24 فبراير 2022، وصل إلى 18 من الجانبين.

لذلك، ولشواهد أخرى، يعتقد مراقبون أن القصف الإسرائيلي المزدوج على المستشفى، كان امتداداً لمسلسل جرائم القتل الممنهج، التي تستهدف الصحافيين العاملين في قطاع غزّة، بغرض ترهيب وإعاقة الناجين والأحياء منهم عن ممارسة دورهم الإعلامي.

بل يرى بعض المراقبين أن استهداف هذا العدد من الصحافيين في المستشفى أثناء تغطية متلفزة مباشرة، لم يكن خطأ إعلامياً من الجانب الإسرائيلي، بل كان إجراءً مقصوداً مكرّراً، ومماثلاً لاستهداف إسرائيل طالبي الغذاء في مواقع توزيع المساعدات، ومحتاجي التطبيب في المراكز الصحية.

وقد تكون عمليات الاستهداف العلنية هذه ضمن مخطط لتحريك الشعوب العربية للمطالبة بفتح الحدود وتخليص الفلسطينيين من الجحيم الإسرائيلي.

ومن بين هؤلاء المراقبين، الصحافي التركي المتخصّص في الشؤون الدفاعية محمد داوود أون المش، الذي قال في لقاء متلفز حول أحداث حرب الـ12 يوماً (نُشر عبر منصة YouTube في 11 أغسطس الجاري): نحن نعرف فقط 20 - 30 % من المواقع التي اِستُهدفت في إسرائيل. لأن نظام التحكّم في البيانات في إسرائيل أشد من نظيره في كوريا الشمالية. فكل صورة مُسرّبة من إسرائيل مدروسة. وهي في الواقع ليست مُسرّبة، بل منشورة برعاية أو موافقة النظام الإسرائيلي للتحكم بالبيانات.

وهنا أتساءل أنا: هل واجبي الإنساني والمهني ككاتب مقالات تجاه جريمة قتل الصحافيين الخمسة، ومن كان معهم من الكادر الصحي، وغيرهم، وتجاه الجرائم الأخرى التي ارتكبها ومازال يرتكبها الجيش الإسرائيلي، مقتصر على المشاركة في كشف هذه الجرائم والانتهاكات للمتحدّثين باللغة العربية؟

ولكن قبل الإجابة عن هذا التساؤل، أودّ أن أستحضر أحد الآراء التي طرحها البروفيسور الروسي ألكسندر دوغين، أستاذ العلوم السياسية وعلم الاجتماع الملقّب بـ«عقل بوتين»، بشأن الحرب في غزّة في لقاء متلفز نشر في 1 مارس 2025 عبر منصّة YouTube.

في هذا اللقاء، أشار البروفيسور إلى أن العالم دخل في مرحلة جديدة تحكمها القوّة فقط، تسمى بمرحلة «الواقعية السياسية» في العلاقات الدولية. الواقعية التي تُركّز على مفهوم القوة ومصالح الدول المتناقضة بدلاً من الأخلاق والقانون في تنظيم العلاقات الدولية. مرحلة لا يَعتد فيها الطرف القوي بما تَطرحه الأطراف الأخرى من حجج إنسانية وقواعد دبلوماسية.

وهنا استعان البروفيسور بتعبير روسي شائع لوصف رد الطرف القوي عليهم، فحْواه «وماذا أنتم فاعلون»؟

وأوضح أن إسرائيل اليوم مختلفة عمّا كانت عليه قبل «طوفان الأقصى». فإسرائيل التي استثمرت كثيراً منذ «الهولوكوست» في صورتها كضحية في نظر المجتمع الدولي، فقدت اليوم هذه الصورة -وهذه خسارة إستراتيجية- واستبدلتها بصورة أخرى تظهر فيها كقوّة يخشاها الجميع، ويتعاملون معها بجدّية.

ويرى البروفيسور أن مشروع تهجير الفلسطينيين سوف يستمر ويتحقّق، ما لم يُواجَه ملّاك المشروع بمعارضة حازمة مؤثرة. وأمّا أصحاب المعارضة الناعمة فسيكون ردّ الملّاك عليهم: «وماذا أنتم فاعلون»؟ لمنعنا من تهجيرهم.

لذلك، وردّاً على «وماذا أنا فاعل»؟ لمنعهم، سوف أساهم في نشر صورة «غزّة الضحية» لدى الشعوب الغربية، القادرة على ترشيد سياسات حكوماتها، من خلال الاشتراك «بغرض الدعم» في عدد من الصحف العالمية التي تنشر تقارير صادقة غير مبتورة عن أحداث غزّة... «اللهم أرنا الحقّ حقّاً وارزقنا اتّباعه».

abdnakhi@yahoo.com