في إطار الاستعدادات الأمنية والتنظيمية لشهر محرّم المقبل، التقى معالي النائب الأوّل لرئيس مجلس الوزراء وزير الداخلية الشيخ فهد اليوسف، بعدد من مسؤولي وممثلي الحسينيات، وأكّد لهم «حرص القيادة السياسية على إقامة الشعائر مع مراعاة الأوضاع الإقليمية والظروف التي تمر بها المنطقة»، وأبلغهم أن «دولة الكويت ستوفّر مدارس مؤمّنة وفق أعلى معايير السلامة كمواقع بديلة لإقامة الشعائر الدينية بدلاً من الحسينيات حرصاً على سلامة روّادها».

واستجابة لتصريحات اليوسف، أعلنت عدد من الحسينيات عن استقبالها مُعزّيي المصطفى وآل بيته – عليهم السلام – في المدارس التي وفرتها الحكومة أو في المساجد المستوفية للمعايير الأمنية، واعتذرت حسينيات أخرى عن استقبال المعزّين حضورياً خلال العشر الأوائل من الشهر الحرام.

تصريحات اليوسف وتبعاتها كانت حديث اللقاءات الأسرية والاجتماعية وفي وسائل التواصل الاجتماعي. وهذا التفاعل الواسع مع تصريحاته ذكّرني بلقاء مشابه، ولكن بحيثيات مختلفة، جمع عدد من قيادات وزارة الداخلية مع عدد من مسؤولي وممثلي الحسينيات، في سنة تحرير العراق (2003) أو في إحدى السنتين التاليتين، وكنت أنا أحد الحضور فيه.

قبل الحديث حول ما دار في ذلك اللقاء، أود أن أشير إلى لقاء أسبق، قبيل تحرير العراق، بين مراسل صحافي وروّاد ديوانيّة في منطقة الرميثية الشمالية. وتحديداً أود الإشارة إلى إجابتي عن سؤال طرحه الصحافي حول تدنّي مستوى الخدمات والمرافق الحكومية آنذاك. حيث أجبته – بعد التأكيد على أهمية السؤال – قائلاً إن السؤال غير متوائم مع ظروف البلد، وتحديداً التحشيد العسكري لغزو العراق بقيادة أميركا انطلاقاً من الكويت. فحينها كانت الكويت في خطر التعرّض لاستهداف بصورة مباشرة من العراق، وغير مباشرة عبر عملاء ومرتزقة من داخل الكويت. فدعوّته إلى إعادة طرح السؤال ذاته في زيارة لاحقة بعد زوال الخطر.

ثم، في اللقاء مع «الداخلية» الذي حضرته قبل قرابة 20 عاماً، جسّدت مرّة أخرى تقيّدي البنّاء بالإطار الأمني المشدّد موقّتاً، في الاقتراح الذي قدّمته إلى الوزارة، بعد الاستماع إلى حديث مُفصّل من أحد قيادييها بشأن ضرورة وصعوبة توفير الحماية اللازمة لجميع المجالس الحسينية، بسبب كثرة المجالس التي تُعقد في البيوت.

فبعد الثناء على الجهود المضنية التي تبذلها الوزارة، ناشدّت القيادي الخروج من اللقاء بمقترح باسم الوزارة إلى مجلس الوزراء الموقّر لتوجيه البلدية نحو تخصيص مواقع لبناء حسينيات بسعات عالية ومواصفات فنّية مشابهة لمواصفات المواقع التي تُخصّص للمساجد الرئيسة في البلاد. ولكن القيادي لم يستحسن الفكرة، ومسؤولو وممثلو الحسينيات الحضور تجاهلوها، وانشغلوا بالمطالبة بأمور ثانوية من قبيل إزالة السيارات المعروضة للبيع من أمام الحسينيات.

وفي السنوات اللاحقة، بعد عرض المقترح على عدد من المواطنين والنوّاب والمسؤولين الحكوميين، وصلت إلى قناعة أن جُل المجتمع «بجميع أطيافه» لا يعتبرون المعالجة الجذرية لأزمة نقص الحسينيات أمرا يستحق الاهتمام، بالرغم من تبعاتها السلبية المتعدّدة، كالمخاطر الأمنية.

وفي هذه الأيّام، مرّة أخرى أحرص على ترجمة تَقيّدي البنّاء بالإطار الأمني المشدّد مرحلياً، لأن الأخطار على أمننا الوطني تجدّدت، ومن المرجّح أن تستمر لأسابيع عدّة أخرى، بالرغم من وقف اطلاق النار بين إسرائيل وإيران. فإسرائيل لم تحقّق «بالكامل» أي من الأهداف الثلاثة لعدوانها على إيران. وبالتالي من المرجّح أنها سوف تسعى لاستكمال تحقيق الأهداف، من خلال خروقات استخباراتية وعسكرية خاطفة أو بتجديد الحرب الشاملة، مثلما فعلت في لبنان وغزّة.

لذلك، وبعد انكشاف التبعات الأمنية الخطيرة لأزمة النقص الشديد في عدد الحسينيات الكبيرة، أجدّد دعوتي إلى مجلس الوزراء الموقّر، ولكن هذه المرّة عبر مناشدة معالي النائب الأوّل، لتخصيص مواقع لبناء حسينيات واسعة «وفق أعلى معايير السلامة» في مختلف المناطق، حسب حاجة المواطنين... «اللهم أرنا الحقّ حقّا وارزقنا اتّباعه».

abdnakhi@yahoo.com