يشهد العالم اليوم تصاعداً مقلقاً في معدلات الأمراض غير السارية، تلك الأمراض التي تتسبب في 74 % من الوفيات عالمياً، ومع ذلك لاتزال مسببات هذا الوباء — وفي مقدمتها العوامل التجارية الضارة — تحظى بحصانة غير مبررة.
الأمم المتحدة تتهيأ لعقد اجتماع رفيع المستوى في عام 2025، حول الوقاية من الأمراض غير السارية ومكافحتها.
وقد صدرت أخيراً مسودة الإعلان السياسي لهذا الاجتماع، والتي جاءت مليئة بالنيات الحسنة، لكنها، للأسف، كانت خالية من الاشتراطات الملزمة التي يمكن أن تغيّر واقع الصحة العامة، خصوصاً في منطقتنا العربية وإقليم شرق المتوسط.
ماذا تقول المسودة؟
تشير المسودة إلى ضرورة الوقاية من الأمراض المزمنة، وتحسين الأنظمة الصحية، والتصدي للعوامل البيئية والاجتماعية المؤثرة على الصحة. لكنها، مع الأسف مرة أخرى، تكتفي بعبارات إنشائية عند الحديث عن العوامل التجارية، دون أن تحدد أهدافاً واضحة لمحاسبة الصناعات التي تروّج للتبغ، والمشروبات المحلاة، والأطعمة فائقة التصنيع. وفي الوقت الذي تتعاظم فيه معدلات تعاطي التبغ بين شبابنا، وتتزايد نسب السمنة والسكري نتيجة الأطعمة غير الصحية التي تُسَوَّق للأطفال والمراهقين بشكل مكثف، في ذلك الوقت تبقى هذه الصناعات بمنأى عن أي رقابة فعّالة.
السؤال الذي يطرح نفسه هنا: لماذا يجب علينا جميعاً أن نطالب بمساءلة هذه الصناعات؟
إن الصحة ليست مسؤولية فردية فقط، بل هي مسؤولية مجتمعية تشترك فيها الحكومات والقطاع الخاص والمجتمع المدني، فعندما تتسبب شركات في تسويق منتجات تضر بالصحة، أو تمارس ضغوطاً على واضعي السياسات لإضعاف التشريعات، فمن الواجب أن تخضع تلك الشركات للمساءلة.
في منطقتنا تغيب آليات الإفصاح عن تضارب المصالح، ولا توجد التزامات شفافة حول أنشطة الضغط التجاري في قطاعات الصحة، والأسوأ أن مسودة الإعلان الحالي للأمم المتحدة تغض الطرف عن هذه المعضلة.
إذاً، ما الذي نحتاج إليه؟
نحتاج إلى إعلان يتضمن النقاط التالية:
• أهداف زمنية قابلة للقياس من أجل الرصد وتقليل التعرض للعوامل التجارية الضارة.
• آليات شفافة للإفصاح عن أنشطة الصناعات الضارة في الساحة السياسية والصحية.
• مساءلة دورية ومستقلة لأداء الشركات وفق مؤشرات صحية واضحة.
• التزامات خاصة بإقليم شرق المتوسط لمعالجة واقع تعاطي التبغ والسمنة مع الأخذ بالاعتبار خصوصيات الإقليم الواضحة.
خاتمة:
المسألة إذاً واضحة، إما أن نواصل ترك المجال مفتوحاً أمام الصناعات الضارة لتُحدد أجندة الصحة العامة، أو أن نتحرك جميعاً لحماية شعوبنا وأجيالنا القادمة.
الفرصة متاحة في اجتماع الأمم المتحدة عام 2025 — والمطلوب أن ترفع حكومات دول شرق المتوسط والمجتمع المدني فيها، صوتها للمطالبة بإعلان سياسي يتجاوز الأقوال إلى الأفعال، وبنصوص ملزمة تحاسب المتسببين الحقيقيين في وباء الأمراض غير السارية.