في ظل المتغيرات المتسارعة التي يشهدها العالم، تبقى الثقافة والأدب حجر الزاوية في بناء المجتمعات المتحضّرة وصياغة مستقبلها. وفي دولة الكويت، لعبت الثقافة دوراً محورياً في تشكيل الهوية الوطنية، وتحقيق النهضة، وتعزيز الحوار والانفتاح، ما يجعل الاستثمار في الأدب والفكر ضرورة لا رفاهية.
الثقافة ليست مجرد كتب تُقرأ أو معارض تُزار، بل هي منظومة متكاملة من القيم، والمعرفة، والهوية، والتاريخ. وهي العامل الذي يربط الأجيال ويصوغ شخصيات الأفراد ويحفّز الإبداع. أما الأدب، فهو التعبير الأرقى عن تلك الثقافة، ومرآة تعكس نبض المجتمع وتوثّق تحوّلاته.
وللأدب في الكويت دور مهم في تكوين الوعي الوطني منذ بدايات النهضة الحديثة في القرن العشرين، فبرزت أسماء لامعة في الشعر والرواية والمسرح، من جيل الرواد إلى جيل الشباب... مثل: فهد العسكر وليلى العثمان ود. سعاد الصباح، ود. خليفة الوقيان وفائق عبدالجليل وعبداللطيف البناي وغيرهم، قدموا نماذج حية للتفاعل بين الفكر والإبداع والمجتمع تعيش أعمالهم إلى يومنا الحالي ولم تزل.
تعيش الكويت اليوم مرحلة مهمة من إعادة تعريف دور الثقافة في حاضرها، من خلال المبادرات الحكومية والخاصة، بمختلف مؤسساتها ودورها في دعم المواهب الشابة وتشجيع المشاريع الثقافية والابتكارية، كالمسارح الأهلية والمجلات الشبابية والمنصات الرقمية.
هذه المبادرات تُسهم في خلق بيئة واعية ومستنيرة، وتعزز مكانة الكويت كمنارة ثقافية في الخليج والعالم العربي.
لا يمكن بناء مستقبل مستدام دون ثقافة راسخة. فالدول المتقدمة اليوم لم تنهض فقط بالصناعة أو الاقتصاد، بل بترسيخ قيم المعرفة والابتكار والانفتاح. لذلك، فإن تمكين الثقافة في الكويت يعني:
- تعزيز الانتماء الوطني لدى الأجيال الجديدة من خلال قراءة التاريخ وسرد الحكاية الوطنية.
- مواجهة التحديات الفكرية كالتطرف والانغلاق بفتح نوافذ الحوار والمعرفة.
- تنمية الاقتصاد الإبداعي عبر دعم صناعة النشر، والإنتاج الفني، والتصميم، والترجمة. احتضان كل أديب كويتي، ويفتح له الأفق ليكتب، ويُعبّر، ويُسهم في بناء الوعي الوطني.
- رسم صورة الكويت في الخارج كبلد متحضر ومثقف ومتسامح. وتعزيز دور الأدب والمثقف واعتباره صوتاً جماعياً يحمل ملامح الكويت، وثقافتها، وروحها. ولهذا نسعى لترسيخ الهوية الوطنية من خلال أنشطة تُبرز خصوصيتنا الأدبية، وتُعزز الأديب والمثقف، (المحلي والعربي) مع التركيز على احتضان المواهب، ودعم الإصدارات، (واستقلالية الثقافة ومنع التدخلات الخارجية في إدارتها) وتوسيع نطاق التفاعل والتعاون مع المؤسسات الثقافية داخل الكويت وخارجها.
خاتمة
الأدب والثقافة ليسا ترفاً فكرياً، بل ضرورة لبناء الإنسان الكويتي القادر على مواكبة العصر، وحمل إرثه الحضاري بفخر نحو مستقبل مشرق. وإذا كانت الثروة النفطية قد أسهمت في بناء البنية التحتية للدولة، فإن الثقافة هي التي تبني الإنسان وتؤسس نهضة حقيقية مستدامة.
فلتكن الثقافة جزءاً من السياسات العامة، والتعليم، والحياة اليومية، ولنكفل للأدب مساحته الحرة، لأنه الضامن لصوت المجتمع، وذاكرته، وخياله.
Malmoasharji@gmail.com