على مر ما يقارب الخمسة قرون الماضية وقعَ العالم بشكل عام تحت نفوذ العالم الغربي من أوروبا وغربها غالباً ثم من قبل أميركا.

تقاسم العالم الغربي النفوذ والثروات والأراضي شبه المكتشفة حديثاً وسيطروا على البحار والمحيطات والكثير من الجُزر المنتشرة فيها.

تقاسم السيطرة في القرون الماضية على العالم دول غربية وذاعت شهرة مغامريها ومكتشفيها وقادتها وصالوا وجالوا في البراري والبحار البعيدة، من برتغال وإسبان فهولنديين وأحياناً ألمان ثم طليان وإنكليز وإفرنجة بحملات نابليون بونابرت، وأخيراً الأميركان.

هذه القوى التي تحكم العالم تقريباً، إلّا من بقع تمرد تبرز في مكان وتخمد في آخر، هذه القوى خلقت نظاماً عالمياً بمؤسسات ومنظمات وتنظيم دولي معروف، وبمنظمة عالمية أولية وهي عصبة الأمم، ثم وريثتها المطورة آلياً الأمم المتحدة. هذه القوى المتنفذة خلقت أنظمة قانونية دولية ومحاكم دولية ونظاماً اقتصادياً عالمياً ونظاماً مالياً عالمياً يتم عبره منح دول حليفة أو صديقة أو تابعة امتيازات وحرمان دول أخرى منها، بالإضافة إلى السيطرة حتى على المؤسسات الرياضية العالمية، وأشكال مختلفة من النفوذ والسيطرة الدولية بشكل لا يمكن للشخص استيعابه.

على الرغم من أن هذه السيطرة عادة ما يكون لها أثمانها، مثل توفير الحماية للدول الحليفة والصديقة، وتوفير دعم مالي لها أحياناً، أو توفير الحماية العسكرية أو فتح الأسواق المحلية لها، إلا أن للسيادة أثمانها أيضاً فما ساد بخيل كما يقول المثل.

لكن في الوقت الحالي ومع ازدياد التحديات الاقتصادية للدول السائدة والمتنفذة، ومع بروز منافسين عالميين لها، وهي من السنن الحتمية الكونية في بروز أمم وانحدار أخرى، جاء توجه جديد بأن يتخلى الراعي عن دفع عربون سيادته على العالم، وبدل أن يدفع عربون السيادة التي حققت له الكثير، يتحول إلى الفرعنة، أي إلى التكبر والتجبر، وهو أمر لافت تتم معاصرته حالياً ويستشعر به شعوب العالم.

وهنا استغراب واندهاش وتساؤل، لماذا تتحول الدول أو الدولة المتنفذة الكبرى من أب راع للعالم، ولو أنه قد يكون أباً غير عادل وغير صالح، لماذا يتحول إلى الفرعنة والتكبر؟ فساعة يهدد المخالفين بالحرب والتدمير وساعة يهدد المنافسين وأحياناً الأصدقاء والحلفاء بفرض الرسوم الجمركية المرتفعة عليهم مهدداً بفعلته أسس التجارة العالمية التي يسميها حرة والتي وضع أُسسها وصاغ قوانينها بنفسه تقريباً!

لقد تصاعدت وبرزت حالات الفرعنة الحديثة بعد الدعم اللامحدود لدويلة الاحتلال الصهيونية، والدعم اللامحدود للمحتل بشكل وقح وتفاخر بتزويده بما يحتاج من مال وسلاح وصواريخ تخترق أقوى التحصينات، هنا القول للعالم من يعترض تطوله يد الفرعنة ولو كان في حصون منيعة، ولا عزاء لمسميات الحرية والعدالة والقوانين الدولية.

المقال هنا لا يناقش الآثار السياسية وتأثير الرسوم الجمركية المفروضة على العالم، ولا يناقش احتمالية تصاعد الصراعات واحتمالية نشوب الحروب واحتمال الربح والخسارة من طرف لآخر، لكن المقال يشير إلى حال من الطغيان والفرعنة التي تطغى حالياً على العالم، وما سيكون أثرها ومداها المستقبلي في زعزعة استقرار أو ما بقي من استقرار للبشرية.