كنتُ دائماً ومازلتُ أحرصُ على ارتياد إحدى الديوانيات التي يتسم غالب روّادها بالعقيدة السلفية المجرّدة عن التنظيمات الحزبية، وهم رجال أخيار أحبهم في الله، ودار النقاش في آخر لقاء حول مأساة الوضع الإنساني في غزة، وكيفية النظر إلى المسألة من الناحية الشرعية دون الحزبية، وهنا أثرت سؤالاً افتراضياً حول كيفية إيجاد الأُفق السياسي الموحّد للتوجه الديني في مواجهة ما يتعرّض له المسلمون من قِبل أعداء الإسلام من قتل وإساءات ومضايقات سواء في منطقتنا العربية أو في أماكن أخرى من العالم. وكانت الردود متفاوتة وغير دقيقة في ما هو المطلوب حقيقة حول كيفية الرجوع إلى ديننا كانطلاقة لتغيير الواقع الحالي.
بالنظر لواقعنا الكويتي فإنه في حقبة الأربعينات من القرن الماضي برزت جماعات إسلامية عدة، منها حزب التحرير وجماعة الإخوان المسلمين الذين كان يطلق عليهم في الكويت آنذاك «جماعة الإرشاد» وكان لهم ناد خاص بهم، وهي أول جماعة في الكويت تتخذ من الدين شعاراً لها وقد تأسست منذ منتصف الأربعينات من القرن الماضي، وفي الخمسينات تم إغلاق جميع الأندية الرياضية والثقافية لأسباب سياسية داخلية ومنها مقر جماعة الإرشاد، إلا أن بعض عناصرها استمروا في التواصل في ما بينهم حتى تمكنوا من إنشاء جمعية الإصلاح الاجتماعي بعد تحول الكويت من مشيخة إلى كيان دولة والتي تعتبر الواجهة الاجتماعية لجماعة الإخوان المسلمين وتلاهم الجماعة السلفية، ثم جماعة التبليغ وذلك في السبعينات.
وقد احتدمت المنافسة بين جماعتي السلف والإخوان، وبلغت ذروتها عندما خاضت الجماعتان انتخابات مجلس الأمة في أواخر السبعينات وأوائل الثمانينات، ولا يزال هذا التنافس حتى الآن، حيث فاقت جماعة الإخوان المسلمين جماعة السلف عدداً ونفوذاً واقتصاداً ومالاً، وكان هناك صراع وتنافس كبير بينهما على استقطاب أكبر عدد من أبناء الشعب الكويتي ودعوتهم للانضمام لتلك الجماعات، ولقد تركز نشاط الجماعتين في السبعينات والثمانينات في استقطاب الصبية والشباب اليافع من خلال المساجد والمدارس والرحلات الكشفية، كما ظهرت بعدهما جماعة التبليغ التي قامت على مبدأ الدعوة إلى الإسلام من خلال زيارات الدواوين والبيوت والمساجد، فضلاً عن السفر إلى دول أخرى لنشر دعوتهم بعيداً عن الشأن السياسي.
ولقد ذكرني أحد الأصدقاء من المهتمين بالجماعات الإسلامية بأنه خلال الثمانينات من القرن الماضي كانت هناك مقولة متداولة لأحد الحريصين على التوفيق بين الإخوان والسلف في محاولة لم شمل هذه الجماعات وذلك على النحو التالي «لو وُجدت جماعة عقيدتها عقيدة السلف، وتنظيمُها تنظيم الإخوان، وهمَّتُها همّة التبليغ لكانت هي الجماعة» أي الجماعة المنشودة لتوحيد الأفق الاسلامي العربي والعالمي في خضم الصراعات التي تتعرّض لها المنطقة العربية والضياع والشتات التي تعيشه شعوبنا في خضم حركة التاريخ الإنساني والتي لا تزال مجرد رقم بشري دون فاعلية أو تأثير على سياقات الإستراتيجية الدولية، بل تم استغلال ذلك في التأثير الدولي على مجريات الأمور في المنطقة العربية، وما أحداث الربيع العربي عنا ببعيد. فلا يزال الغرب الأميركي الموحش ودول أوروبا وإسرائيل تعربد في منطقتنا العربية، وأن ما يحدث في غزة من إبادة جماعية ومأساة إنسانية أمام أنظار العالم لخير مثال على ذلك.
فاستخبارات الغرب عموماً ستقوم بعد الانتهاء من سيناريو قضية غزة ومن سيحكمها وماهية الوضع السياسي المستقبلي لها(؟) بانتاج جماعات جديدة بمسميات أخرى قد لا تكون تحت شعارات دينية محضة بل بمفاهيم مختلطة بين الدين والوطنية وسيكون هدفها في حقيقة أمرها معادياً لكل توجه ديني حقيقي.
فعودة الإسلام إلى عقيدة السلف الصالح النقي خط أحمر لهم، فهم من أوجد تنظيم القاعدة و(طالبان وداعش والنصرة) وغيرها من الجماعات التي اتخذت من شعار الدين ستاراً لها باعتراف المسؤولين الأميركان والأوروبيين من خلال تصريحاتهم أو من خلال مذكراتهم، ومع الأسف لا يزال هناك من بيننا من يؤيد هذه الجماعات صنيعة الاستخبارات والغرب المسيحي ويدافع عنها وهذا هو الغباء السياسي.