كم هي واضحة تلك التحركات التي شاهدناها أخيراً من بعض الشركات في السوق المحلي، وهي تحركات مفرحة وتبشر بعودة النشاط الاقتصادي للكويت كما كان في أوج قوته في ثمانينات القرن الماضي، حيث بدأنا نشاهد دوران العجلة الاقتصادية لإرساء وتجديد بعض مشاريع الـ«بي أو تي» مثل إعلان شركة يوباك التابعة لـ «أجيليتي» عن فوزها بتطوير شاطئ المسيلة لمدة 17 عاماً، أو فوز شركة المباني باستثمار موقع منتجع الهيلتون لمدة 17 عاماً أيضاً، أو إعلان شركة إيفا عن انتهاء أعمال التشغيل لمحطة أم الهيمان وقرب طرح أسهمها للاكتتاب العام، ومشاريع أخرى كثيرة تبشر بعودة النشاط وازدهار الاقتصاد.
يضاف إلى ذلك تصريحات حكومية وتوجيهات واضحة من سمو رئيس مجلس الوزراء للهيئة العامة للاستثمار، وهي أهم جهة تتمتع بسيولة مالية موجهة للاستثمار، بتكثيف الجهود للاستثمار في السوق المحلي ما يعطي بُشرى سارة، ومؤشراً قوياً وواضحاً عن جدية التوجهات في العهد الجديد الذي بدأنا نشهد بشائره.
ومع ذلك، لا بد من ملاحظة أن جميع هذه المشاريع «من وجهة نظري المتواضعة» هي مشاريع صغيرة في حجمها ولا تتناسب حتى الآن مع قدرات الكويت المالية والاقتصادية، خصوصاً إذا ما تمت مقارنتها مع حجم المشاريع المليارية في الدول المجاورة والشقيقة، والتي من أبرزها مشروع رأس الحكمة في مصر، أو مشروع مدينة بنان في الرياض، أو مشروع مطار دبي الجديد، أو مشروع مدينة نيوم في السعودية، أو ما تقوم به مصر من توسع في الاستثمار في إنتاج الهيدروجين الأخضر، ومجالات أخرى كثيرة لا مجال لذكرها في هذه العجالة.
ما زلتُ أرى أن ما ذكرتُ في مقالتي السابقة بعنوان «واجهة الكويت البحرية» المنشورة في جريدة «الراي» بتاريخ 6 مارس 2024 لتطوير الساحل الشمالي لجون الكويت، هي المفتاح الرئيسي الأكبر لمستقبل النشاط الاقتصادي في الكويت، خصوصاً إذا ما تم إنشاء تحالف بين الشركات الوطنية الكبرى، سواء العقارية أو الخدماتية أو اللوجستية أو الترفيهية، وبتمويل من البنوك المحلية، وبمشاركة مباشرة من مؤسسة التأمينات الاجتماعية والهيئة العامة للاستثمار، وقد يكون هناك تحالف مع شريك إستراتيجي خارجي أو أكثر، لوضع تصور واضح ومخطط عصري مبدع ورؤية ثاقبة تستشرف المستقبل لاستثمار ذلك الساحل الجميل الممتد، فإن ذلك كفيل بجذب الاستثمارات من كيانات عالمية كبرى ما زالت ترى في الكويت أرضاً خصبة للاستثمار لما لموقعها المتميز من جاذبية، وبذلك نكون قد وضعنا أرضية صلبة لكثير من الوظائف الجديدة، وبعثنا النشاط في معظم الشركات الصغيرة التي تقدم خدماتها للمشروع وتفرعاته، وخلقنا وجهة سياحية رئيسية تنافس الوجهات الأخرى القريبة منا، وأنشأنا بنية صناعية وخدماتية على أساس سليم متطور يتكامل مع ميناء مبارك القريب، ومدينة الحرير المخطط لإنشائها في تلك الجهة، واستغللنا السيولة الفائضة المتراكمة في البنوك والتي تبحث عن فرص استثمارية واعدة.
وقد يكون الأهم من ذلك كله أننا سنخلق محوراً جديداً للدخل يمكن أن يضاهي النفط، ما يعني رجوع الكويت لتتسيد المشهد الاقتصادي في الخليج وتعود عروساً للخليج بأبهى صورة.
شئنا أم أبينا، الكويت هي مارد اقتصادي يتمتّع بموارد مالية هائلة، وموقع إستراتيجي مميز، وبنية تحتية متطورة، وموارد بشرية قادرة، وهذا المارد كان نائماً أو مكبلاً لفترة طويلة، فهل ننجح في إيقاظ ذلك المارد؟!... أرجو ذلك.
والله المستعان.