في يوم 2001/1/13، رزقني الله بك مولوداً صغيراً يا قرة عيني...

حمدتُ الله في ذلك اليوم كثيراً وشكرتُه بالصلاة على رزقهِ لي اياكَ، وكان هذا اليوم ذا طابعٍ مميزٍ تخلَل بالشُكر الكثير والثناءِ العظيم بقدومِك إلى هذه الحياةِ (عالم الدنيا).

أتذكرُ جيداً كيفَ كانت تفاصيلُ ذاك اليوم وتجّمعُ إخوتِك حولك، وتعاركهُم علىٰ حملك، أتذكرُ جيداً كومة الأوراقِ تلك التّي احتوت على أسماءٍ عدة مُختلفةٍ لاختيار اسمٍ لك والورقةُ الرابحةُ كانت تِلك التي تحتوي على اسمك.

مهدي... ولدي كانَ اسماً لم أعتقِد يوماً أن أنعيهِ أو أبكيه أو أقومُ بِدفنِه قبل أن يقومَ هو بذلك التكليفْ!

رحلت عنا وتركت أسرتك وتركتني أغفو وأصحو على فقدك بدمع العين، وأنت الطيب الذي يكره رؤية الدموع في أعيننا، رحلت قبل أن ترى حفيدتنا الصغيرة التي كنت تنتظر قدومها لتقر عينك بها.

رحلت قبل أن تكمل مسيرتك الدراسية وتحقق احلامك الدنيوية، ودعتنا فى تلك الليلة بمواقف مرحة واحاديث شيقة وكأنك تريد أن تقول: «أنا لست ابن هذه الحياة فالله يخبئ لي ما هو أجمل فوداعاً».

رحمك الله يا مهدي وأسكنك فسيح جناته وأعاننا على مواصلة الحياة التي ينقصها وجودك.

عادةً يُلازم تاريخ الميلادِ الأفراد في حياتنا بتخطيطٍ مُسبقٍ للاجتماع والاحتفال والمُفاجآتْ...

وكُنت أحرصُ جاهداً أن أكون أول المُهنئينَ لِأولادي في أيامِ ميلادِهم، داعياً الله من أعماقِ قلبي أن يوفقهُم ويُنجحهم ويحفظهُم من كُل سوءٍ وبلاءٍ ومكروه، وأن يمُد بأعمارِهم مُنقصاً تلك الزيادةِ من عُمري...

ولم أعتقد أنهُ سيأتي اليوم الذّي أنعىٰ فيهِ ولدي الأصغر الغائب في يومِ ميلادِه، لأنه فارقني سريعاً في وداعٍ قصيرٍ لم أعتقدْ أنهُ وداعٌ حتىٰ!

وأودُ في يومِ ميلادك أن أُخبرك،

أننا جميعاً مُشتاقونَ إليكْ،

مُشتاقونَ لرؤيتِك،

وسماعِ صوتِك،

ومصافحتُك واحتضانُك!

ويشهدُ الله، بأن رباطةَ جأشي مِن بعدِك سقطتْ من جرف عالٍ، ولم أعُد قادِراً على اجتياز هذا الفقد والفِراق!

ولدي الصغيرٌ بالعُمر، والكبيرٌ بالأفعال، أشهد الله بأنك كنت خير ابن بار بوالديك، أنعم الله عليك بقلب رحيم وكبير.

رحلت فجأة وبهدوء دون مقدمات،

رحلت ولم تؤذِ أحداً، رحلت والجميع يفتقدك ويدعو لك، رحلت وعلى وجهك ابتسامة جميلة، رحلت ولم تقل لنا وداعاً.

سيبقى يوم ميلادك هو الأجمل في حياتي، يوم رزقني الله بك وقدومك على الدنيا، وان غبت عن عيني فإنك لم تغب عن روحي، انت حاضر معنا بقلوبنا وعقولنا وبالذكريات الجميلة التي جمعتنا، ففي ذكرى عيد ميلادك يا ولدي فارقتني جسداً ولم تفارقني روحاً، وما زالت صورتك أمام ناظري افتقدك في فرحي وحزني، وبكائي بأنك دون وداع رحلت... ويوم ميلادك من المستحيل نسيانه.

فوالله مؤلمٌ هو الفراقُ ومُتعب، غادرتنا وتركت في أرواحنا ندبة كبيرة، وكل ألم فراق يتلاشى مع مرور الأيام إنما فراقك لا يزال يتجدد كل يوم كأنه بالأمس، وعزائي الوحيدُ في ذلك هو أنك لا تزالُ حياً في قلوبِنا ونتذكرُك في كُل خطوةٍ في حياتِنا...

نم يا ولدي قرير العين لأن هُناك الكثير ممِن يذكُرك ويدعو لك صباحاً ومساءً.

رحم الله من أخذ قلوبنا في يوم ميلاده، ويأخذها في كل يوم، رحم الله من اشتقنا له، رحم الله روحاً لا تعوَّض ولا تولد مرة أخرى، رحم الله ضحكات لا تُنسى، وملامح لا تغيب عن البال، رحم الله من عشنا معه أجمل السنين وهزنا إليه الحنين، رحم الله كل روح غالية تحت الثرى.

حُكمُ المَنِيَّةِ في البَرِيَّةِ جاري

ما هَذِهِ الدُنيا بِدار قَرار

بَينا يَرى الإِنسان فيها مُخبِراً

حَتّى يُرى خَبَراً مِنَ الأَخبارِ

طُبِعَت عَلى كدرٍ وَأَنتَ تُريدُها

صَفواً مِنَ الأَقذاءِ وَالأَكدارِ

فَالعَيشُ نَومٌ وَالمَنِيَّةُ يَقِظَةٌ

وَالمَرءُ بَينَهُما خَيالٌ ساري

وَالنَفسُ إِن رَضِيَت بِذَلِكَ أَو أَبَت

مُنقادة بِأَزمَّة الأَقدارِ

فاِقضوا مآرِبكم عُجَالاً إِنَّما

أَعمارُكُم سِفرٌ مِنَ الأَسفارِ

اللَّهُمَّ ارْحَمْ (مَهْدِيّ) واجْعَلْهُ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ.

الأموات فعلاً يفارقون حياتنا لٰكنهم حقاً لا يرحلون من ذاكرتنا، اللهم ارحمهم جميعاً واجعلهم من أهل الجنة، واليوم نحيي ذكرىٰ كل الاحباب الذين فارقونا إلى ان نلقاهم في الجنة بإذنٍ من الرب الرحيم.

إنا لله وإنا اليه راجعون.