عقب المهاترات والصدامات السياسية التي شهدتها البلاد أخيراً، نرى استخدام العديد ممن انخرطوا في العمل السياسي رقعة لعبة الشطرنج في مواضع عدة كأداة استدلال على بعض الأفكار أو مديح ذكاء بعض الأشخاص أو قذف آخرين، لكن كثيراً من هذه الاستدلالات لم تكن في محلها ولم تكن تعبر عن روح الشطرنج الحقيقية أو كانت قياساً خاطئاً، على الرغم من أن الشطرنج لعبة لها ذلك العمق الذي يتكون من الحقيقة والزيف معاً، والتفوق والانتصار فيه يقوم على الدراسة النظرية والخداع في آنٍ واحد.

ولعله من الجيّد لي وللبعض أن أجتهد في ذكر ماهية لعبة الشطرنج وفلسفتها وكيف يتم تقييم المواقف فيها، وتصحيح بعض ما أعتقدهُ خاطئاً في الاستدلال به، فآلية التقييم هذه يمكن لأي فرد منا استخدامها في شؤون السياسة مثلاً، مع مراعاة الفوارق بين عالم الحقيقة وعالم الـ 64 مربعاً الذي ننطلق منه.

يُعتبر الهدف الرئيسي الذي يسعى إليه كلا اللاعبَين المتباريين هو تهديد «ملك» الخصم بحيث لا يمكن الدفاع عن هذا التهديد، وهو ما يُعرف بـ «كش مات» وفي سبيل تحقيق ذلك الهدف يسعى كلا الطرفين إلى إلحاق خسائر كثيرة بالخصم لفتح الخطوط من أجل الوصول إلى «ملك» خصمه، وفي الوقت نفسه يدفع عنه أي تهديدات محتملة على أن يتم ذلك كله في مدة تفكير زمنية للمباراة تقسم بالتساوي بين الطرفين يخسر فيها الطرف الذي ينتهي وقته قبل إنهاء الدور، وثمة أنظمة كثيرة لكن لا داعي لشرحها، فالمهم من هذه النقطة هو معرفة أنك تحت تملك «زمن محدد» لإنجاز مهمتك كما في الحياة وهذا الزمن كما الحياة أيضاً لا أفضلية فيه لأحدٍ دون أحد وإنما أفضليتك بطريقة تفكيرك وهدوئك في المناورات «الشطرنجية».

ومن خلال ما سبق، أرى من وجهة نظري أن المثل الشائع بأن الملك في الشطرنج يسخّر كل مَن حوله من بيادق للدفاع عنه والتضحية من أجله، هي فكرة خاطئة، يماثلها في شدة الخطأ في ذلك المقولة الإشاعة «لا تكن مجرد جندي يقف في المقدمة لكي يضحوا بك من أجل أن ينجو الملك»، وغيرها، فالملك في الشطرنج هو أضعف قطعة وهو رمز معبر عن قدرتك على تحمّل المسؤولية في الحفاظ عما هو مسؤول منك وتحقيق أهدافك في النهاية وفق عمل تراكمي منظم يبدأ منذ قرارك باتخاذ الخطوة الأولى في اتجاه هذا الهدف، فأي خطوة خاطئة في عالم الشطرنج قد تودي برمزك.

وكذلك الإسقاط السياسي؛ فالأقطاب السياسية في ملوك الشطرنج ولديهم ما لديهم من بيادق تم تجهيزهم مسبقاً من أجل النضال والتضحية لا من أجل وطن، ولكن من أجل الرمز الذي هو تابعٌ له.

يقول لاعب الأسطورة وبطل العالم في لعبة الشطرنج بوبي فيشر:

(هذا هو كل شيء عن الشطرنج. في أحد الأيام تُعطي خصمك درساً، وفي اليوم التالي يُعطيك درساً).

Twitter: @Fahad_aljabri

Email: Al-jbri@hotmail.com