أما بعد

عامان من ضبط المسار

تصغير
تكبير

في الذكرى الثانية لتولي حضرة صاحب السمو الشيخ مشعل الأحمد الجابر الصباح، أمير البلاد، حفظه الله ورعاه، مقاليد الحكم، تقف الكويت أمام محطة تأمل وطنية تستدعي قراءة هادئة لمسار عامين حملا ثقلاً سياسياً ودستورياً في مرحلة إقليمية ودولية شديدة الاضطراب. لم تكن هذه الذكرى مجرد رقم في سجل الزمن، بل لحظة تقييم لتجربة قيادة جاءت في توقيت دقيق، تداخلت فيه التحديات الداخلية مع تعقيدات المشهد الخارجي.

تسلّم سمو الأمير مقاليد الحكم في مرحلة اتسمت بترهل سياسي، وتراكمات إدارية، وحال من الانقسام النيابي والشعبي، ما جعل خطاب القسم بمضامينه الواضحة حول سيادة القانون، وصون الدستور، وإصلاح الخلل في الممارسة السياسية، بمثابة إعلان نوايا صريح لمرحلة مختلفة. وقد بدا منذ الأيام الأولى أن القيادة الجديدة لا تميل إلى المجاملات أو الحلول الترقيعية، بل تتجه نحو إعادة الاعتبار لهيبة الدولة ومؤسساتها، وتثبيت فكرة أن الاستقرار لا يتحقق إلا عبر الالتزام الصارم بالدستور والقانون.

خلال العامين الماضيين، اتسم أداء السلطة بالهدوء والحزم في آن واحد. هدوء في الخطاب، وحزم في المواقف المفصلية، خصوصاً في ما يتعلق بإدارة العلاقة بين السلطتين التنفيذية والتشريعية. فقد بدا واضحاً أن الخلافات السياسية لا يُنظر لها بوصفها صراعاً، بل باعتبارها خللاً في أدوات الممارسة، يتطلب إعادة ضبط المسار لا كسره. ومن هنا جاءت الرسائل المتكررة التي أكدت أن الديمقراطية ليست فوضى، وأن الدستور لا يُستخدم أداة تعطيل بل إطار تنظيم.

على الصعيد الخارجي، واصلت الكويت في عهد سمو الأمير، نهجها المتوازن، محافظة على سياستها الخارجية القائمة على الحكمة، وعدم التدخل، وبناء الجسور لا المحاور. وقد عززت القيادة الجديدة حضور الكويت كدولة تحظى بالثقة والاحترام، قادرة على لعب أدوار إيجابية في محيطها الخليجي والعربي والدولي، دون أن تنجرف إلى استقطابات حادة أو مغامرات غير محسوبة.

أما داخلياً، فقد حملت المرحلة إشارات واضحة إلى أولوية الإصلاح الإداري ومحاربة الفساد، ليس عبر الشعارات، بل من خلال دعم أجهزة الدولة الرقابية، وإرسال رسائل سياسية تؤكد أن لا أحد فوق القانون، وأن المرحلة المقبلة تتطلب كفاءة لا ولاءات، وإنجازاً لا خطابات. ورغم أن الطريق لا يزال طويلاً، فإن المناخ العام يوحي بأن الدولة استعادت جزءاً مهماً من توازنها، وأن القرار السياسي بات أكثر وضوحاً وانسجاماً.

في الذكرى الثانية لتولي سمو الأمير مشعل الأحمد، مقاليد الحكم، لا يمكن القول إن كل الإشكالات قد حُلّت، لكن المؤكد أن الاتجاه العام تغيّر. فالكويت اليوم أمام فرصة حقيقية لإعادة بناء الثقة بين الدولة والمجتمع، وترسيخ مفهوم الدولة القوية العادلة، التي تحمي الحريات ضمن إطار القانون، وتصون الدستور دون أن تسمح بإساءة استخدامه.

إنها ذكرى ليست للاحتفاء فحسب، بل للتأكيد على أن القيادة في اللحظات الصعبة تُقاس بالقدرة على اتخاذ القرار، وضبط الإيقاع السياسي، وحماية الدولة من الانزلاق، وإصلاح حقيقي يفضي بالدولة لاستقرار مستدام ودولة تليق بتاريخها وتطلعات شعبها.

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي