وجهٌ من وجود المجتمع المدني، محام ومحاضر جامعي، وزير داخلية سابق ومرشح للانتخابات النيابية، يصبح اسمه بين المرشّحين الأوائل لرئاسة الجمهورية.

زياد بارود، ابن بلدة جعيتا الكسروانية، ليس وريث أسرة سياسية، بل لمع اسمه مع نهاية الحرب اللبنانية، كمحامٍ طموح، دَخَلَ السياسةَ من باب المجتمع المدني، وحركة «التجدد الديموقراطي» التي أسسها النائب الراحل نسيب لحود والجمعية اللبنانية لديموقراطية الانتخابات، وملحق «نهار الشباب» الذي أطلقه النائب الراحل جبران تويني.

خريج جامعة القديس يوسف، تَدَرَّجَ محامياَ لدى الوزير السابق ابرهيم نجار ومن ثم في مكتبه الخاص، وبدأ يوسع عمله كمستشار لجمعيات ونقابات ومؤسسات عدة دولية ومحلية متنوعة.

إلا أن اللبنة الأساسية في حياته السياسية، كانت بعدما أصبح عضواً في الهيئة الوطنية لقانون الانتخاب التي ترأسها الوزير الراحل فؤاد بطرس والتي عيّنتْها حكومة الرئيس فؤاد السنيورة عام 2005 وكانت مهمّتها درس كل قوانين الانتخاب والخروج بقانون للانتخاب. وهو قدم استقالته منها مع عضو اللجنة ميشال تابت احتجاجاً على تقسيم الدوائر في القانون الذي قدّمتْه الهيئة.

وفتحتْ هذه اللجنة البابَ السياسي أمام بارود، الذي أصبح اسمه متقدّماً في أوساط المجتمع المدني والمحامين والوسط السياسي المستقلّ، فاختاره الرئيس ميشال سليمان من حصته وزيراً للداخلية للاشراف على انتخابات العام 2009، وهو أصبح وزيراً للداخلية عام 2008 حتى عام 2011 في حكومتيْ الرئيس السنيورة ومن ثم الرئيس سعد الحريري.

في تلك المرحلة حظي بارود باهتمامٍ إعلامي لافت، وكان نجماً إعلامياً ولا سيما مع إطلاقه حملات توعية لقيادة السير وحزام الأمان، وقد أشرف على الأرض على خطط السير في الأعياد، وصار وجهاً سياسياً وإعلامياً بارزاً.

وأدارت وزارة الداخلية حين تولاها الانتخابات النيابية لعام 2009، ما أعطى بارود حضوراً سياسياً مضاعفاً، كونه عمل في مجال قوانين الانتخابات ومراقبة الانتخابات في ظل علاقات أوروبية في هذا المجال تَعَزَّزَتْ أكثر فأكثر في ظل تولّيه «الداخلية».

وعاد مرة ثانية وزيراً في حكومة ما بعد الانتخابات التي ترأسها الحريري.

حين اختاره سليمان وزيراً، لم يكن بارود محسوباً على أي طرف سياسي، وهو ظل بالمعنى الحرفي على علاقة جيدة مع كل الأفرقاء السياسيين ومع الكنيسة المارونية والمرجعيات الروحية، ولم يخاصم أي طرف سياسي بالمعنى المباشر.

لكنه أشعل مواجهةً مع قوى الأمن الداخلي التي تتبع لوزارته وكان مديرها العام اللواء اشرف ريفي، المحسوب حينها على الحريري، على خلفية مداهمة قوى الأمن مبنى الاتصالات في ظل وزارة الوزير شربل نحاس الذي كان وزيراً من حصة العماد ميشال عون.

ذهب بارود الى دمشق كأول زير داخلية بعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري، لكن زيارته كانت موضع انتقاد من قوى 14 مارس، رغم أنه زارها بعد ثلاثة أشهر على زيارة سليمان لها.

عُرف بعلاقاته القوية مع فرنسا التي يحمل جنسيتها، ودول اوروبية، وحاز أوسمة فرنسية رفيعة، وساهم كأحد مندوبي المجتمع المدني، في مؤتمر سان كلو الذي دعت اليه فرنسا عام 2007 بمشاركة ممثلي جميع القوى السياسية بما فيها حزب الله.

ومنذ أن أصبح وزيراً سابقاً، لم يغب بارود عن المحافل السياسية، وظل ناشطاً فيها، وبقي يطل إعلامياً في ملفات قضائية وانتخابية، وكان اسمه يتردّد دائماً كأحد المرشحين المستقلين للنيابة أو الوزارة.

وعام 2012 ترأس اللجنة التي عيّنها مجلس الوزراء لدرْس مشروع اللامركزية الادارية.

وظل بارود من بين الأسماء المستقلة والحيادية، إلى أن قام بخطوة مفاجئة عام 2018 إذ ترشّح عن المقعد الماروني في لائحة التيار الوطني الحر في كسروان.

فالوزير الذي كان من حصة سليمان ومنحه وسام الأرز الوطني برتبة ضابط أكبر، والذي خاصمه العماد ميشال عون حين كان رئيس التكتل والتغيير، أصبح مرشحاً على لائحة التيار.

وترك ترشيح بارود علامات استفهام، في وقت كان يكرر مراراً خلال تَرَشُّحه أنه مستقلّ وممثل للمجتمع المدني متحالف مع لائحة التيار، لكنه سيكون في كتلة داعمة للرئيس ميشال عون.

وعزا تحالفه إلى مناخ مسيحي ايجابي بعد اتفاق معراب (بين «القوات اللبنانية» و«التيار الوطني الحر») وبداية عهد جديد، لكن ذلك لم يقنع خصوم التيار الذين رأوا في خطوته انقلاباً سياسياً، وهو الآتي من المجتمع المدني المستقلّ.

وقد خسر بارود في الانتخابات ولم ينل سوى 3893 صوتاً.

ولاحقا قام بمراجعة نقدية لخطوته التي أصابت صورته. إلا أنه سرعان ما استعاد نشاطه، وما أن ابتعد عن الواجهة السياسة حتى عاد اليها.

وبعد تظاهرات 17 اكتوبر (2019) تحوّل بارود صوتاً مُدافِعاً عن الثورة في وجه السلطة السياسية، وصار متحدثاً باسمها مرات عدة، رغم أنه لم يكن فعلياً واحداً من وجوهها المباشرين.

وفي انتخابات مايو النيابية الأخيرة ظل اسمه يتردد ليس كمرشح مع التيار الوطني، الذي لم ترحّب أوساطه به نظراً الى تجربته السابقة كمرشّح وتَنَصُّله من علاقته بالتيار، بل على لائحة التغيريين.

لكنه أعلن عزوفه قائلاً «إن ترشحي أو عدمه ليس إلا تفصيلاً، وقد وضعتُه أصلاً في خانة السعي لتظهير حالة تغييرية كنتُ لأكون جندياً فيها».

وإذ كان جرى التداول أكثر من مرة باسم بارود كمرشح وزاري، إلا ان اسمه صار اليوم في مكان آخَر تماماً.

فمع اقتراب انتهاء عهد الرئيس ميشال عون بدا يتردّد اسمه مرشحاً لرئاسة الجمهورية. صِلاته بفرنسا كانت أحد المفاتيح التي تتحكم بترشيحه، إضافة إلى أن نواب القوى التغيريية وضعوا اسمه من بين المرشحين الجديين الذين عملوا على الترويج لهم.

وقد يكون أصغر المرشحين الرئاسيين سناً، 52 عاماً، لكنه قطْعاً أحد أكثر الناشطين والعاملين على خطوط قوى محلية وأوروبية. مسيرته السياسية الفعلية تنحصر في كونه وزيراً للداخلية لمدة ثلاث سنوات، لكنه عرف كيف يبني حضوراً سياسياً وأكاديمياً وديبلوماسياً - وهو حائز على أوسمة فرنسية وإيطالية وإسبانية - وكيف يستثمرها في الطريق الى قصر بعبدا.

لكن الترشيح هو الخطوة الأولى على طريق الرئاسة التي لا تزال محفوفة بمخاطر الفراغ وموقف القوى السياسية منه ولا سيما أحزاب المعارضة.

وفي أي حال، فإن تجربة التسويات في لبنان قد تجد سبيلها إلى ابن جعيتا في قضاء كسروان، فهل يصبح الكسرواني الثاني بعد الرئيس فؤاد شهاب الذي يصل الى رئاسة الجمهورية؟