إسرائيل بين ضوء أخضر وضوء أحمر... تقف أمام مشهد إقليمي جديد تصنعه واشنطن
توجهات إدارة ترامب: صفقات سياسية تعيد تشكيل العلاقة مع لبنان وسوريا وإيران وغزة
كشفت مصادر إسرائيلية في صحف «إسرائيل اليوم»، «هآرتس»، و«يديعوت أحرونوت»، الأحد، ملامح واضحة لتحوّل إستراتيجي تقوده إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب في الشرق الأوسط،«يقوم على منطق الصفقات الثنائية وتقديم الاستقرار الاقتصادي على المقاربات العسكرية التقليدية».
وتظهر القراءة المتقاطعة لهذه المقالات، أن«ملفات لبنان وسوريا وغزة وإيران باتت تُدار وفق هذه الرؤية، بما يفرض قيوداً وفرصاً متباينة أمام إسرائيل في المرحلة المقبلة».
سوريا: فرصة ضائعة وتبدّل في قواعد الاشتباك
ويرى إيال زيسر في«إسرائيل اليوم»، أن سقوط نظام بشار الأسد وصعود أحمد الشرع كان من الممكن أن يشكّل لإسرائيل«نافذة فرصة إستراتيجية»لبناء ترتيبات أمنية مستقرة على جبهة الجولان.
وكتب أن«النظام الجديد كان مستعداً لتفاهمات بعيدة المدى، لكنه فوجئ بأن إسرائيل اختارت تجاهله وتحويله إلى عدو بدل استثماره كعامل تهدئة».
ويعتبر زيسر أن هذا السلوك«يتناقض بالكامل»مع تراجع ضغط إسرائيل عن«حزب الله»في لبنان، رغم توفر ضوء أخضر أميركي للدخول بقوة في الساحة اللبنانية.
في المقابل، قدّم الدد شبيط في«هآرتس»تفسيراً مختلفاً، معتبراً أن تغريدة ترامب التي دعا فيها إسرائيل إلى«عدم إزعاج»التطورات في سوريا تعبّر عن رؤية جديدة للمنطقة: الشرق الأوسط كسوق سياسية - اقتصادية تقوم على صفقات بين قادة أقوياء لا على ترتيبات أمنية طويلة الأمد.
وكتب أن «ترامب يرى في النظام الجديد فرصة لإبعاده عن إيران ودمجه في محورها»، ولذلك تضغط الإدارة على إسرائيل لتخفيف عملياتها العسكرية في سوريا «حتى لا تعرقل قصة النجاح»التي يريد ترامب تسويقها.
لبنان: ضوء أخضر أميركي... وتردد إسرائيلي
وحول لبنان، يشير زيسر إلى أن إدارة ترامب «غاضبة من اللبنانيين» لرفضهم الانصياع لشروطها: «نزع سلاح حزب الله، إصلاح الدولة، والاندماج في الرؤية الأميركية».
وقال إن هذا الغضب تُرجم إلى تفويض مفتوح لإسرائيل للعمل عسكرياً في لبنان، لكن إسرائيل «لم تستغل اللحظة» وتركت الحزب يعيد ترميم قوته بعد الحرب السابقة.
ويعتبر أن هذه المفارقة - تراجع الضغط عن الحزب مقابل تدخل زائد في سوريا - تكشف عن غياب إستراتيجية إسرائيلية متناغمة مع الواقع الجديد الذي تفرضه واشنطن.
غزة: قيود أميركية تحكم القرار الإسرائيلي
ويرى ميخائيل ميلشتاين في «يديعوت أحرونوت» أن ترامب أصبح «المقرر الفعلي» لما يحدث في غزة. وقال إن واشنطن تريد الانتقال سريعاً إلى «المرحلة الثانية» من اتفاق وقف إطلاق النار، وعرض «إنجاز إستراتيجي» للرأي العام الأميركي، ولذلك لن تسمح لإسرائيل بفتح جبهة عسكرية جديدة حتى لو خرقتها «حماس».
وأضاف أن «حماس أعادت تثبيت نفوذها داخل القطاع، وأن إسرائيل تجد نفسها الآن غير قادرة على تنفيذ وعودها بتفكيك بنيتها» بسبب الفيتو الأميركي.
وتوقع أن تضغط واشنطن باتجاه حلول وسط بشأن نزع السلاح، ونشر قوة دولية محدودة، والسماح بإقامة «حكم بديل» ظاهري، فيما تواصل الحركة إدارة القوة من الخلف.
ويشير إلى أنّ إسرائيل ستضطر لاحقا إلى خوض معركة جديدة ضد الحركة «إذا سمحت الظروف الأميركية»، لكن أي عملية مستقبلية ستتطلب احتلالاً كاملاً للقطاع وتحمل مسؤولية مليوني فلسطيني، وهو ما تتجنبه القيادة السياسية والعسكرية.
إيران: جولة مؤجلة... لكنها تقترب
أما العلاقة مع إيران فتظهر، وفق ميلشتاين، باعتبارها «العُقدة المركزية» التي تظل مؤجلة بفعل ضغط واشنطن وتركيزها على مشروعها الإقليمي.
ويقول إن المعضلة الإيرانية تتعاظم داخل إسرائيل، وإن جولة مواجهة جديدة تبدو «أقرب من أي وقت»رغم انشغال الجيش في ساحات أخرى.
وتتفق المصادر على أن إدارة ترامب:
- تريد خفض التوتر الإقليمي لصالح مشروع اقتصادي - سياسي واسع، لكنها في الوقت نفسه تمنح إسرائيل حرية أكبر في لبنان، وتفرض قيوداً صارمة في سوريا وغزة، وتتعامل مع الملف الإيراني بمنطق«الاحتواء لا الصدام».
- إسرائيل بين ضوء أخضر وضوء أحمر تقف أمام مشهد إقليمي جديد تصنعه واشنطن، وكل ذلك في إطار رؤية ترامب القائمة على صفقات إقليمية كبرى تدمج القوى العربية وتركّز على الاقتصاد كمدخل للاستقرار.
ويحذّر شبيط من أن «الخطر ليس في الصدام مع واشنطن، بل في تحول إسرائيل إلى تابع لسياسة ترامب ما لم ترسم خطوطاً حمراء واضحة وتحافظ على حرية عملها في الساحات التي تعتبرها حيوية لأمنها القومي».