واشنطن تعمل على هندسة مشهد إقليمي جديد يقوم على وقف إطلاق نار دائم في غزة ولبنان وسوريا
- المرحلة الثانية ستُنفَّذ عاجلاً أم آجلاً... والسؤال هل يسبقها انفجار سياسي في إسرائيل؟
- إسرائيل... أزمة قيادة وغياب الثقة بنتنياهو المشغول بالعفو والاعداد للانتخابات
- هيئة الأركان تدعم «السير مع واشنطن» مرحلياً
تشهد الساحة الإسرائيلية - ومعها الإقليم - سباقاً سياسياً ودبلوماسياً معقّداً تديره الولايات المتحدة، بهدف دفع رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو إلى الانتقال للمرحلة الثانية من اتفاق وقف إطلاق النار في قطاع غزة، وهي المرحلة التي تمثل عملياً بداية المسار السياسي - الأمني الذي نصّت عليه «خطة ترامب» المكوّنة من 20 بنداً.
وفي السياق، يتفق محللون على نقاط محددة:
- مجال مناورة نتنياهو يضيق بشدة.
- واشنطن والدول العربية والأوروبية تتحرك باتجاه واحد: تنفيذ المرحلة الثانية فوراً.
- فتح الطريق نحو حل الدولتين على المدى المتوسط، وربط ذلك بترتيبات إقليمية أوسع.
وفي هيئة الأركان، يؤكدون أن المرحلة الثانية من اتفاق غزة لم تعد خيارا إسرائيليا، بل استحقاقا دوليا وإقليمياً تُديره الولايات المتحدة بعناية، بدعم عربي وأوروبي ومن داخل المؤسسة الأمنية الإسرائيلية.
الأسابيع المقبلة ستكون اختباراً لمدى قدرة نتنياهو على المناورة، أو اضطراره للانحناء أمام موجة الضغط الدولي - وربما الداخلي - التي تتصاعد يوماً بعد يوم.
- هل يذهب نتنياهو «مع التيار» كما تطلب واشنطن وهيئة الأركان؟
- أم يصرّ على مواجهة الجميع، مخاطِراً بالتصعيد في غزة ولبنان وبمستقبله السياسي؟
هذا هو السؤال الذي سيحكم المشهد الإسرائيلي - والإقليمي - في الأيام القادمة.
ومع بدء ما يصفه محللون إسرائيليون بـ«غسق الحرب»، يتراجع الاعتماد على الأدوات العسكرية تدريجياً لصالح العمل الدبلوماسي المكثّف، وسط ضغوط متقاطعة من واشنطن، والدول العربية، والاتحاد الأوروبي، وكلّها تهدف إلى تثبيت وقف إطلاق النار وتهيئة أسس الترتيبات الإقليمية لـ «اليوم التالي».
وتشكّل الزيارة المرتقبة للسفير الأميركي في الأمم المتحدة مايك وولتش، قمة الضغوط الأميركية الجديدة، إذ يحمل معه - وفق مصادر إسرائيلية - رسالة واضحة من الرئيس دونالد ترامب «آن أوان الانتقال من القتال إلى الدبلوماسية».
وولتش، الذي سيبدأ جولته من الأردن قبل وصوله تل أبيب، سيطرح على نتنياهو حزمة مطالب محددة:
- تسريع تنفيذ المرحلة الثانية من خطة وقف إطلاق النار.
- توسيع إدخال المساعدات الإنسانية عبر معابر إضافية، بما في ذلك إعادة فتح معبر رفح وتخفيف القيود على مواد الإغاثة.
- إعادة فتح معبر رفح في الاتجاهين وليس فقط لخروج المرضى، بما يتوافق مع تعهدات واشنطن ومطالب القاهرة.
- منح دور للسلطة الفلسطينية في غزة عبر قوة شرطية مدرّبة بإشراف أميركي - أوروبي.
هذه المطالب، التي لم يكن نتنياهو قادراً على تجاهلها حين تصدر من مبعوث رفيع المستوى، تمثل - وفق صحيفة «هآرتس» - محاولة واضحة لجرّ إسرائيل نحو تطبيق النقاط الجوهرية في خطة ترامب، رغم اعتراضات نتنياهو الداخلية.
من جانبها، حذّرت قيادات سياسية وحزبية وعسكرية من الخلاف مع مصر.
الرسالة شديدة الوضوح «فتح المعبر يجب أن يكون مزدوجاً... وإسرائيل يجب أن تسمح بعودة سكان غزة إلى منازلهم».
كما ينضم الاتحاد الأوروبي إلى الضغط الدبلوماسي عبر دعمه تدريب قوات الشرطة الفلسطينية، وإبدائه استعداداً للإشراف على تشغيل معبر رفح من الجانب الفلسطيني، في إطار ترتيبات دولية - عربية مشتركة.
المصادر نفسها في مجلس الامن القومي الإسرائيلي حذرت من نتائج منتدى الدوحة، حيث صدرت رسائل أعادت ترتيب المشهد بالكامل:
- قطر: وقف إطلاق النار الحقيقي لن يتحقق ما لم تنسحب إسرائيل بالكامل من غزة ويُسمح للسكان بالعودة.
- تركيا: نزع سلاح «حماس» يفترض أولاً دخول قوة شرطية فلسطينية مدربة إلى القطاع.
هذه الطروحات تمثل عكس ما يطالب به نتنياهو، الذي يشترط نزع سلاح «حماس» أولاً قبل أي انسحاب أو ترتيبات سياسية.
وتشير التقارير إلى أن واشنطن تجد نفسها أقرب للمطالب العربية - التركية من مطالب نتنياهو، خصوصا مع اقتراب موعد الاستحقاق الزمني الذي حدده ترامب للبنان في شأن «حزب الله»، ورغبته في تجنّب مواجهة واسعة.
وترى تحليلات إسرائيلية أن نتنياهو يواجه أزمة داخلية معقّدة: الجيش يوصي بالانتقال للمرحلة السياسية لإعادة بناء القوات بعد عامين من الحرب، وهيئة الأركان تدعم «السير مع واشنطن» مرحلياً.
وتشير «يديعوت أحرونوت» إلى أن استمرار الحرب يخدم نتنياهو انتخابيا، لكنه في الوقت نفسه يتعارض مع مصالح الجيش ومع ضغوط واشنطن الهادفة إلى التهدئة والتسويات.
وتورد «يديعوت أحرونوت»، أن دفع الجميع لتنفيذ المرحلة الثانية من خطة ترامب يعني عملياً:
- دخول قوة شرطية تابعة للسلطة الفلسطينية.
- بدء ترتيبات «اليوم التالي» بإشراف مجلس سلام برئاسة ترامب.
- وضع أسس لإدارة مدنية فلسطينية جديدة.
وترى أوساط أمنية إسرائيلية أن نتنياهو لا يريد عودة السلطة بأي ثمن، لأنه يعتبر ذلك مدخلا طبيعياً نحو فرض حل الدولتين، وهو ما يتعارض مع مواقفه التاريخية.
ترامب، الذي يسعى - بحسب «يديعوت أحرونوت» - إلى الاستقرار لأهداف جيوسياسية واقتصادية، يرى أن نجاح المرحلة الثانية، يمكنه من إطلاق سلسلة من الترتيبات الإقليمية التي «تستكمل اتفاقيات أبراهام» وتمنحه زخماً سياسياً.
تعمل واشنطن على هندسة مشهد إقليمي جديد يقوم على:
- وقف إطلاق نار دائم في غزة ولبنان وسوريا.
- إضعاف «حزب الله» عبر ضغوط لبنانية - عربية - إسرائيلية مشتركة.
- منع التمدد الإيراني وإضعاف المحور الداعم لحماس وحزب الله.
وكتب محلل الشؤون العسكرية رون بن يشاي، «نتنياهو يحتفظ بالأوراق لنفسه... وهذا يؤخر القرارات ويجعل ترامب يتدخل لملء الفراغ».
وأضاف «استمرار الحرب يخدم نتنياهو انتخابياً... لكنه يضر بمصالح واشنطن والمؤسسة العسكرية».
من جانبها، قال مسؤول أميركي سابق في مجلس الأمن القومي لصحيفة «واشنطن بوست»، إن «ترامب يعتبر تنفيذ المرحلة الثانية خطوة مفصلية تسمح له بإطلاق مسار تطبيع إقليمي واسع». وأضاف أن «البيت الأبيض يخطط لإعلان إطار إقليمي قبل الربيع».
وقال بن يشاي، إن «ترامب يريد قواعد جديدة للعبة في لبنان وسوريا... وقف نار طويل واستثمار بالتسويات». وأضاف «الإدارة لا تريد حربا مع حزب الله... بل تريد إنجازاً سياسياً».
المصادر الإسرائيلية والأميركية تتقاطع عند نقطة واحدة:
- مجال المناورة أمام نتنياهو يتقلّص بسرعة.
- واشنطن تريد التقدّم فوراً نحو المرحلة الثانية.
- العرب يشترطون فتح معبر رفح في الاتجاهين.
- أوروبا جاهزة لإدخال الشرطة الفلسطينية.
- الجيش الإسرائيلي يضغط لإيقاف الحرب.
- نتنياهو يقاتل للحفاظ على موقعه السياسي وحكومته.
وأكد دبلوماسي أميركي لـ«أكسيوس»، ان المرحلة الثانية ستُنفَّذ عاجلا أم آجلا... السؤال هو: هل يسبقها انفجار سياسي في إسرائيل؟