ترامب يستعد لإعلان «المرحلة الثانية» من خطته لغزة

واشنطن تفرض نموذجاً فوقيّاً... وإسرائيل تُشدّد قبضتها

تصغير
تكبير

- الخطة أقرب إلى نموذج الوصاية الدولية منه إلى ترتيبات انتقالية
- ترامب يريد أن يظل الجهة التي تقرر مسار الأمن والإعمار
- ⁠خبير فلسطيني: واشنطن تريد غزة جديدة بلا الفلسطينيين... وإدارة بلا سياسة وحكماً بلا تمثيل وإعماراً بلا سيادة

تستعد إدارة الرئيس دونالد ترامب للإعلان خلال الأيام القريبة المقبلة عن بدء «المرحلة الثانية» من خطتها الخاصة بقطاع غزة، في ما تعتبر واشنطن انه تحوّل سياسي لإثبات جدية مسارها تجاه «استقرار القطاع»، بينما يرى مراقبون أنّ الخطوة تمثل محاولة أميركية لفرض واقع جديد يتقاطع كلياً مع المصالح الإسرائيلية، ويتجاهل الوقائع الميدانية وتعقيدات المشهد الفلسطيني الداخلي ومأساة مئات ألاف الفلسطيني النازحين المجوعين ويعيشون ظروفاً معيشية وصحية وإنسانية خطيرة.

وقال مسؤول أميركي رفيع لصحيفة «اكسيوس» إنّ واشنطن «تسابق الوقت لإظهار تقدّم ملموس قبل نهاية العام»، مضيفاً أن «المرحلة الثانية ستتضمن بدء تشكيل هياكل الحكم الموقت في قطاع غزة وفق تصورات أميركية وإسرائيلية، والانتشار التمهيدي للقوة الدولية، وربما انسحابات إسرائيلية إضافية».

لكنه شدد في الوقت ذاته، على أنّ إسرائيل «ما زالت الطرف الأكثر تأثيراً في رسم حدود أي خطوة».

وتروّج إدارة ترامب لـ «خارطة طريق جديدة» تعلن أنها تهدف إلى «استقرار غزة»، من خلال إنشاء منظومة حكم مدنية بديلة لحركة «حماس»، عبر لجنة تكنوقراط فلسطينية تضم 12 إلى 15 عضواً تعمل تحت إشراف مجلس إدارة دولي يرأسه رئيس الوزراء البريطاني السابق توني بلير، على أن يتبع هذا المجلس «مجلس السلام» يقوده ترامب شخصياً.

ويؤكد خبراء أميركيون من مركز PCPSR أنّ هذا التصميم «أقرب إلى نموذج الوصاية الدولية منه إلى ترتيبات انتقالية»، خصوصاً بعدما كشفت تسريبات صحيفة «واشنطن بوست» أنّ الإدارة تريد أن تظل هي الجهة النهائية التي تقرر مسار الأمن والإعمار.

وقال دبلوماسي أميركي سابق إنّ «عقلية الخطة تقوم على إدارة غزة من الخارج، وليس تمكين مجتمعها من بناء نموذج حكمه الخاص»، مضيفاً أنّ التجارب التي تستشهد بها واشنطن - مثل كوسوفو وتيمور الشرقية - «تم تطبيقها في بيئات مختلفة كلياً، ولم تنجح إلا بتكاليف سياسية واجتماعية هائلة، وأحياناً بفشل مدوٍّ».

وتكشف الخطة الأميركية فجوة كبيرة بين الرؤية النظرية لواشنطن وبين الواقع على الأرض. فالإدارة تشترط نزع سلاح «حماس» - شرطاً مسبقاً للحكم الجديد - رغم إدراكها أن هذا غير قابل للتطبيق من دون اتفاق سياسي شامل.

وتقول مصادر صحيفة «الغارديان» البريطانية إنّ إسرائيل ترفع سقف مطالبها إلى الحد الأقصى، وتشترط النزع الكامل والفوري للسلاح قبل أي انسحاب، ما يجعل الخطة الأميركية عملياً «غطاءً سياسياً للمطالب الإسرائيلية»، بحسب وصف خبراء أمنيين إسرائيليين.

وأضاف محلل أميركي في معهد بوكينغز، أنّ «واشنطن لا تريد الاعتراف بأنّ شرط نزع السلاح يجعل الخطة غير قابلة للتنفيذ، فتتظاهر بأنها خطوة انتقالية نحو الاستقرار بينما هي عملياً جزء من استراتيجية إحكام السيطرة على غزة».

وتخطط الإدارة الأميركية لنشر ما تسميه «قوة تحقيق الاستقرار الدولية» مطلع 2026، تضم دولاً عربية وإسلامية وآسيوية. لكن تقريراً لـ«واشنطن بوست» كشف أنّ هذه القوة تواجه عجزاً كبيراً في عدد الدول المستعدة للمشاركة فعلياً، بسبب الخوف من الدخول في بيئة معقدة تحت السيطرة الإسرائيلية وبلا توافق فلسطيني.

وتشير مصادر دبلوماسية إلى أنّ إسرائيل عارضت بشدة إشراك تركيا أو أي قوة قد تعتبرها «غير موثوقة»، بينما ترى فصائل فلسطينية أن هذه القوة «امتداد للهيمنة الخارجية»، وأن وجودها على الأرض «سيجعلها طرفاً في الصراع وليس قوة حياد».

وقال خبير أممي سابق في عمليات حفظ السلام إنّ «أي انتشار دولي في غزة من دون اتفاق سياسي شامل سيواجه مقاومة واسعة، وقد ينهار سريعاً أو ينحرف عن مهامه».

إعادة الإعمار... تكريس تقسيم غزة؟

وتسعى واشنطن إلى دفع ملف الإعمار في المناطق التي انسحبت منها إسرائيل، في محاولة لخلق «واقع جديد» يعزز نموذج الحكم الدولي. لكنها تواجه رفضاً عربياً ودولياً خشية تكريس تقسيم غزة إلى منطقتين:

- منطقة يجري إعمارها تحت إشراف دولي.

- وأخرى تبقى ساحة صراع حتى إشعار آخر.

إسرائيل ترفض أصلاً أي إعادة إعمار قبل «نزع السلاح الكامل»، ملوّحةً بإمكانية استئناف الحرب إذا لم تُلبَّ مطالبها. وهو ما وصفه مسؤول عربي بأنه «ابتزاز سياسي يهدف لإجبار العالم على قبول الشروط الإسرائيلية».

وتفتقر الخطة الأميركية لأي مشاركة فلسطينية حقيقية، لا للفصائل ولا للمؤسسات المدنية، وهو ما يعتبره محللون «وصفة مؤكدة للفشل».

ويؤكد باحثون في International Crisis Group أن أي حكومة تكنوقراط تُفرض من الخارج، من دون توافق فلسطيني - فلسطيني، «ستفشل سريعاً وربما تُشعل مواجهة جديدة»، موضحين أنّ الشرعية الشعبية هي شرط أساسي لأي هيكل حكم جديد.

وقال خبير فلسطيني إنّ «واشنطن تريد بناء غزة جديدة بلا الفلسطينيين الحقيقيين. تريد إدارة بلا سياسة، وحكماً بلا تمثيل، وإعماراً بلا سيادة».

مرحلة ثانية محفوفة بآليات فشل مبكر

تُقدّم واشنطن خطتها كخطوة نحو الاستقرار، لكنها - وفق التحليلات والتسريبات الغربية - تبدو أقرب إلى مشروع فرض واقع جديد يتماشى مع الرؤية الإسرائيلية:

- نزع سلاح قبل أي شيء.

- وصاية دولية تتجاوز الفلسطينيين.

- إعمار مشروط.

- قوة دولية ناقصة الشرعية.

- ترتيبات انتقالية قد تصبح دائمة.

ووفق المصادر فانه في ظل«إصرار إسرائيل على التحكم بكل تفاصيل المرحلة، وغياب توافق فلسطيني داخلي، وضعف الاستعداد الدولي للمشاركة في القوة الأمنية، تبدو المرحلة الثانية محاطة بأسباب الفشل قبل أن تبدأ، ما يجعل الخطة برمتها رهاناً سياسياً محفوفاً بالمخاطر وقد يتحول إلى عامل جديد لتأجيج الأزمة بدل حلّها».

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي