تقدمت لخطبة فتاة بدينة، في الواقع كلانا كان بديناً، ولهذا كنا متفاهمين ومتذوقين ونشعر ببعضنا البعض، ونضحك على ذات المضحكات ونبكي على ذات المُبكيات، وكم من المُضحكات والمبكيات بين المحبين البدناء.

وبمجرد أن بدأنا التواصل عبر الهاتف، أصبحنا نرسم مستقبلنا والذي من ضمن أولوياته خطة الريجيم، فكانت تجعلنا نجرب أنواعاً جديدة من الريجيم لكي نفقد الوزن معاً، وبشكل سريع جربنا أن نأكل الأناناس مع الخل معاً، وجربنا أكل الخضراوات فقط، وجربنا الصيام، ثم دخلنا على «الكيتو» معاً، وكانت تقترح عليّ أن نمشي لمسافات طويلة، فكنا نمشي كلاً في ممشى منطقته ولكننا كنا معاً عبر الهاتف، ثم حدث التحول عندما بدأ وزنها في النزول بالفعل وذابت الدهون حول فخذيها وبطنها فجأة، ولم يكن من هو أسعد منها في العالمين.

شعرت أن شيئاً ما سيحدث، وأن هذه العلاقة رغم سعادتي بها لن تستمر حتى «الزواج»، ولكني كتمت مخاوفي لأني كنت سعيداً لسعادتها، وهو احساس لا يعرفه إلا المحبون حقاً، أو البدناء المرتبطون بفتاة أصبحت نحيفة جداً.

أذكر أنها كانت جميلة ودمها خفيف، كحال كل فتاة بدينة، فبيننا نحن البدناء خفة دم بشكل عكسي لأوزاننا، ولكن الآن وقد صارت نحيفة وأصبح لديها ثقة عالية في النفس، وقدرة على ضبط أكلها، واختيار مفتوح لملابسها، وحرص شديد على مظهرها، بل وأصبح مشروع عمرها أن تفتح نادياً صحياً للنساء... فلم يعد هناك الكثير من المُضحكات والمُبكيات التي تجمعنا معاً.

ولأني أحببتها... انتظرت أن تنهي هي العلاقة، وكما توقعت فقد انهت العلاقة بعد أن اعتذرت قائلة:

صليت استخارة... وما ارتحت!

ثم مرت الأيام وارتبطت بذلك الشخص الذي يستطيع أن يقفز على الحبل ثلاثين مرة في المساء، ويشارك في ماراثون العشر كيلو مترات في الصباح.

أنا اليوم أتمنى لها السعادة الأبدية، وأن تعيش حياة صحية، وأن تنجب أبناء نحفاء يتقافزون أمامها... فقط اتساءل أحيانا لماذا لم تصبر معي لكي نصل إلى «الوزن» الذي يرضيها عني، خصوصاً وأنني كنت أشاركها كل شيء، وأحياناً أقول طالما انها لم تصبر معي على «وزني» فلربما خيرة وإشارة إنها لن تصبر معي على «دخلي» الشهري أيضاً، وبس والله. انتهى.

عزيزي القارئ إن هذه القصة التي سمعتها من أحد أصدقائي يوماً ما عندما اندحرت السحب الملبدة فحجبت نور القمر الشاحب، ونحن نحتسي قهوة المساء في مقهى «الرواء» على إطلالة حرة في الهواء، توضح لك ما يعانيه البُدناء من ألم نفسي وضغط اجتماعي وعاطفي في هذا العصر وفي هذا الزمن تحديداً، والذي يبلغ أضعافاً مضاعفة ما كان يعانيه البدين منذ مئة سنة ماضية، لعل السبب في ذلك إعلانات الجسد الرشيق، والمعلومات الطبية المنتشرة والتي أصبحت كالنار في حجر المعسل، لتخبر البدناء أنهم يموتون كل يوم بدهونهم وألم المفاصل، وأنهم غير جديرين بالدخول في علاقات عاطفية، وأن عيادات التكميم والتجميل منتشرة ومتوافرة من أجل صحة أفضل وعلاقة أجمل، ومع أن نسبة السمنة لدى البالغين في الكويت تصل إلى 70 في المئة، ومع أن هناك خمسة آلاف عملية تكميم تُجرى سنوياً في الكويت، إلا أن السؤال الأهم هو ما الذي يحتاجه البدناء من أجل التغير؟ هل هي عمليات التكميم المدفوعة التكاليف، أم الرياضة، أم الحب والتقبل والاحتواء، أم أن تتركوهم وشأنهم وتعتبروهم شريحة لها حقوق مثل الشباب والنساء والأطفال والمتقاعدين وذوي الإعاقة؟

ارحموا البدناء في الأرض وتوقفوا عن اعطاء الملاحظات لكي يرحمكم من في السماء، فيكفي أنه ليس فقط المقاسات والحركة بل وحتى الحب يجدونه بصعوبة في حضارة قدست الجسد ورشاقته على حساب الروح وجمالها، وكل ما لم يُذكر فيه اسم الله... أبتر.

Moh1alatwan@