قبل 17 سنة تقريباً وتحديداً في 2007، تم الإعلان عن التوجه نحو تنفيذ مشروع ميناء مبارك الكبير، بهدف إحياء مشروع طريق الحرير من خلال بوابة الكويت من شمال الخليج. وقتها وهذا لا يعد سراً اشتعل النقاش داخلياً وخارجياً حوّل مستقبل الكويت التنموي لما يمثله هذا المشروع العملاق من تحول إستراتيجي بمسار البلاد تنموياً.
في 23 من أبريل الجاري، استفاقت الكويت على وقع توقيع اتفاقية رباعية بين تركيا والعراق والإمارات وقطر، للتعاون المشترك في مشروع «طريق التنمية» الذي تبلغ قيمته 17 مليار دولار، محلياً ضجت الكويت على اثر هذه الاتفاقية بردود أفعال شعبية وسياسية واقتصادية غاضبة ليكون السؤال من ظلم الكويت بتعطيل مشروع «مبارك الكبير».
وتخلل ذلك تصريحات نيابية عكست انزعاجاً واسعاً محملة الحكومات المتعاقبة مسؤولية تجاهل استكمال ميناء مبارك الكبير، رغم أنه جرى تعليق المشروع رسمياً في 2020 لعوامل اقتصادية وفنية وأخرى سياسية غير معلنة مرتبطة بعلاقات الكويت مع جوارها الإقليمي.
الاتهامات النيابية للحكومات المتعاقبة تكشف تفصلياً عن وجه آخر للخلل التنموي وغياب الرؤية عموماً في الكويت منذ سنوات طويلة.
فبجردة موضوعية لإنجازات السلطتين التنفيذية والتشريعية في السنوات الماضية يتضح أن قائمة الأولويات الحكومية والنيابية خلت من هذا المشروع الحيوي وغيره الكثير، حيث لم يكن مدرجاً على خارطة عمل المجلسين، فمن الواضح أن عراكهم السياسي الممتد شغلهم عن التخطيط الجاد للتنمية والعمل على تنفيذ مشاريعها المستحقة.
ونتيجة حتمية لذلك، يلحظ أن حركة مشاريع التنمية في السنوات الأخيرة تزدهر خليجياً وتخيب الآمال محلياً، في وقت تعاني فيه الميزانية العامة من عجز متصل لنحو 10 سنوات، وسط تحركات لا تغدو عن كونها ورقية بالعمل على تنويع مصادر الدخل.
ومن باب التندر على الفرص التنموية الضائعة يحمل مشروع ميناء مبارك الكبير أهمية إستراتيجية هائلة بالنسبة للكويت. فحسب الخطة بمجرد تشغيل الميناء، ستتحول الكويت إلى مركز محوري لتجارة الترانزيت والنقل الإقليمي. إضافة إلى ذلك، فإن المشروع يحول الكويت كمركز تجاري ديناميكي في منطقة الشرق الأوسط الأوسع.
علاوة على أن المشروع يتضمن تنفيذ طريق حيوي يربط منطقة الصبية بشرق جزيرة بوبيان. كما يتضمن استكمال رصيف الميناء واستصلاح الأراضي وتصميم معدات المناولة وتعميق الرصيف.
والآن وبعد إطلاق طريق التنمية بدأ الجميع استشعار أهمية المشروع دون أن ينسى كل طرف تحميل الآخر مسؤولية التقاعس في التنفيذ وتعطيل المشروع كل هذه السنوات.
وبعيداً عن محرقة تبادل الاتهامات والجدال المحتدم نيابياً - حكومياً والذي بات يغلب على المناخ السياسي منذ سنوات طويلة لا يمكن إغفال المخاطر الوجودية لاستمرار تعطل مشاريع التنمية في الكويت، ما يستوجب من السلطتين إعادة تصنيف مشاريع التنمية كاستحقاق وطني وأولوية يسمو تنفيذها عن أي تصدعات سياسية قائمة أو مرتقبة في المستقبل، خصوصاً أن عجلة التنمية متعطلة منذ فترة طويلة وجميع المواطنين يدفعون ثمن ذلك من حاضرهم ومستقبلهم، ولذلك لا يمكن التقليل من مخاطر بقاء الوضع كما هو عليه.
فرغم أن إعلان وزارة الأشغال أخيراً عن خطط لتخصيص 604 ملايين دولار لإنجاز مشروع ميناء مبارك الكبير خلال العام المالي 2024 - 2025، جدد الآمال حول إمكانية أن يدفع «طريق التنمية» الكويت إلى المضي نحو إنجاز ميناء مبارك الكبير.
الخلاصة:
رغم مخاطر استمرار تعطل مشاريع التنمية في الكويت وما يحمله ذلك من خسائر متعددة الرؤوس الحادة على مستقبل البلاد هناك مخاطر أخرى لا ينبغي تجاهلها تتعلّق ببروز متغير إستراتيجي لقيادة مستقبل المنطقة يتمثل في احتدام المنافسة والصراع على النفوذ بالمنطقة تجارياً ولوجستياً عبر بناء تحالفات إقليمية وسط غياب الكويت رغم تزايد أهمية هذه التحالفات وتنوع أهدافها.
فطريق التنمية الذي اجتمع عليه 4 دول أصدقاء، سبقه بقليل الإعلان عن ممر جديد يربط منطقة المحيطين الهندي والهادئ بالشرق الأوسط وأوروبا، بتحالف بين الهند والولايات المتحدة والسعودية والإمارات وفرنسا وألمانيا وإيطاليا بهدف زيادة التجارة وتوفير موارد الطاقة وتحسين الاتصال الرقمي، ما يعكس أن قواعد اللعبة اللازمة لبناء التنمية المستدامة بدأت تتغير.
وللمفارقة أنه في الحالتين غابت الكويت عن المشهد ما يزيد حاجتها للدخول في بناء تحالفات إقليمية أقله لضمان مقعد مميز في مستقبل التنمية بالمنطقة وإلا ستكون الخسائر وقتها كبيرة.