مشاهدات

حكاية أسير كويتي (2 من 2)

تصغير
تكبير

سلط الكاتب في الحلقة الأولى من (حكاية أسير كويتي) الضوء على قيام القوات العراقية إلقاء القبض على فلاح عبدالرسول بهبهاني، في منطقة كيفان خلال توجهه للالتحاق بوحدته العسكرية في معسكر الجيوان صبيحة الغزو الغاشم عام 1990، ووصولاً إلى نينوى بعد 28 يوما من الأسر. وفي التالي يسهب في تكملة نشر الوقائع.

كان في المعتقل عيادة وصيدلية، فتم فتح باب التطوع للأسرى فتطوّع فلاح، للعمل في عيادة المعتقل مع 3 أطباء أسرى.

الرائد طبيب / محمد حسين جبرتي ( مصري )

النقيب طبيب / زهير الحجاوي ( فلسطيني )

ملازم أول طبيب / رياض عبدالرحيم ( كويتي )

وأُسندت إلى الضابط مجند / فلاح بهبهاني، وظيفة المسؤول الإداري عن العيادة.

بالإضافة إلى 4 جنود كممرضين عراقيين، وفي الليل يرجع هؤلاء الممرضون العراقيون ليكونوا جزءاً من حراس المعسكر.

وبعد مرور 50 يوماً على الاعتقال تم إطلاق سراح الطبيب /زهير الحجاوي، عن طريق منظمة التحرير فأرسل فلاح مع هذا الطبيب الفلسطيني رسالة إلى أسرته في الكويت ليطمئنهم ويبلغهم عن موقع احتجازه، ولم يكن يعلم أحد من أسرته بأنه معتقل في هذا المعسكر حتى تلك اللحظة.

وفي منتصف شهر 11 تم نقل الأسرى إلى معتقل آخر في منطقة بعقوبة.

وتم فك أسر الطبيب / محمد جبرتي بعد 137 يوماً في معسكر بعقوبة بعد الموافقة على كتاب استرحام قدّمته زوجته.

المحطة الرابعة: مشاركة الأسرى بما لديه من مال.

شارك فلاح بهبهاني زملاءه الأسرى في معتقل الرشيد بمبلغ 10 دنانير لشراء الحاجيات الضرورية من الكانتين، واشترى لنفسه فرشة أسنان -معجون أسنان - وملعقة طعام.

وفي معتقل نينوى كان يشتري بين فترة وأخرى علبة مربى رقي ويشارك الأسرى بالعيادة معه الطعام بحيث يقومون بتنظيف صمونة الشعير من الداخل ووضع ملعقتي مربى فيها وأكلها بحيث يصبح طعمها مستساغاً.

كان لدى الأسير الرائد طيار/ نادر الفرس، موهبة الرسم فرسم الأسرى والمعتقل بقلم رصاص وآخر جاف ولم يعد لديه قلم بعد استهلاكه الأقلام، فطلب من فلاح إن كان يستطيع أن يوفر له أقلاماً خشبية ملونة، وكان المبلغ المتبقي من المال الذي لديه 4 دنانير فقط، فاختار شراء الأقلام بدلاً من المربى واستمر الرسام الموهوب الأسير/ نادر الفرس في توثيق تلك المشاهد بالرسم.

- باع الليرة الذهبية له أحد الممرضين العراقيين بمبلغ 290 ديناراً.

أعطى 90 ديناراً، لكل مجموعة مبلغ 30 ديناراً.

اشترى ملابس داخلية له ولمن معه في العيادة حيث لم يكن بحوزتهم غير الملابس التي أُسروا بها، وفرشاة الأسنان ومعجون الأسنان ومرآة ومشط طلبها منه أحد الأسرى وقيمتها 100 دينار عراقي.

من الطرافة عندما اشترى المرآة الأسير، وشاهد فلاح صورته للمرة الأولى بعد مرور 75 يوماً على الأسر وقال لنفسه (وحشتني).

- ظل لديه من المبلغ المتبقي 100 دينار فأبقاها لما يحتاجون إليه من حاجيات في المستقبل.

المحطة الخامسة: لقاء الأسرة

في 1990/11/15، كان أول زيارة له من عمه بوهاني، وكان اللقاء الأول يدعو للغرابة حيث كانت عن بعد مسافة تزيد على 500 متر، وبينهما وسيط جندي عراقي ينقل الحوار الذي يتم بينهما!

وفي الزيارة التالية أعطاه عمه مبلغ 100 ألف دينار عراقي.

وعندما زارته أمه مع زوجته زودتاه بمبلغ 5 آلاف دولار.

وتكرر إرسال المبالغ المالية من أهله إليه في كل زيارة كانت تتم.

فأبلغ الأسرى إن كان أي منهم بحاجة إلى المال، ووزّع الأموال على من احتاج إليه بمساعدة الأسير ملازم أول عبدالواحد الناقة.

- كان هناك ممرض كردي مجند بحاجة إلى أدوية ضغط وقلب لأمه المريضة فأعطاه المال، فقال له الكردي: إن كنت تحتاج لأية خدمة فأنا مستعد لان أخدمك، فطلب فلاح منه شراء كاميرا تصوير مع أفلام وأعطاه مبلغ 3 آلاف دينار، وتم له ذلك وقام الأسير فلاح بتصوير المعسكر وصوّر الأسرى.

وأثناء زيارة أهله له كان يسلّم الأفلام إليهم ويتم نقلها إلى الكويت.

زودته أسرته عند زيارتهم له بعدد 5 أجهزة راديو ذات الموجة القصيرة وتم دفن واحد منها بالساحة وآخر في كيس فحم، والثالث تحت خزان الماء، والرابع خلف علب الأدوية في العيادة والخامس في الغرفة لتتبع أخبار «بي بي سي»، عند الساعة 11 ليلاً لسماع موجز الأخبار فقط ويطفئه حفاظاً على البطارية.

المحطة السادسة: بارقة الأمل

قام ممثلو الصليب الأحمر بتاريخ 1991/3/13 بزيارة المعتقل وتسجيل جميع المعتقلين رسمياً في السجلات الدولية.

وكان التحرير والعودة إلى الكويت المحررة بتاريخ 1991/3/28

ملاحظة:

في الصلاة كان يدعو الله ويطلب منه حفظ أهله وأبنائه، وكذلك كان يدعو إن كان مكتوباً عليه القتل، فليمت بطلقة رصاصة دون أن يتم موته بالتعذيب، ولكن الله كتب له النجاة بإرادته عز وجل.

الدروس والعِبر:

في الأزمات قد تلتفت حولك فلا تجد مَن يقف معك وتتفاجأ أيضاً بأن هناك مَن يقف معك ويساندك وهو شخص غريب لا تكاد تعرف حتى اسمه، ولذلك في الأزمات تظهر معادن الناس

ويعرف المؤمن عند الابتلاء...

{ وَيُؤْثِرُونَ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ }

- الإيثار في توزيع المال الخاص به بالرغم من قلته لديه

(30 ديناراً) شارك بها على الجميع مثل دفع جزء من المال لزملائه الأسرى.

- شراء المربى ومشاركته مع زملائه.

- الإيثار في توزيع المال بعد بيعه الليرة الذهبية.

- توزيع المال الذي توّفر لديه بعد الزيارات العائلية لمن بحاجة إليه من الأسرى.

- عدم التشاؤم بل انتهاج التفاؤل في قضاء مدة الاحتجاز القسري.

- الإيمان بالله تعالى بأنه الحافظ والمنجي من كل بلاء.

- عدم الخوف من السجانين وان كان الموت مكتوباً فلا مردّ له، إنما العيش بكرامة خير من العيش بذل.

- كان الجميع كويتيين والخطر قائم عليهم دون تمييز لطائفة أو لعِرق، بل لم يخافوا من الأعداء غير مبالين بالحياة لديهم رسالة وهي تقديم العون والمساعدة لكل منهم للآخر، فهؤلاء هم الكويتيون عز وفخر... ديدنهم مقاومة المحتل حتى وإن كانوا بالمعتقلات.

- الاحتفاظ بعزة النفس حتى في أصعب المواقف، فالإنسان لا يرث الكرامة، ولا المهانة، بل يصنعها بنفسه.

اللهمّ احفظ الكويت آمنة مطمئنة، والحمد لله ربّ العالمين.

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي