يزداد احتياج الوالدين لأولادهما عند كبرهما؛ فيزيد الولد في الإحسان إليهما، ومن أهم توجيهات الشرع: الأدب، واختيار الطيب من القول عند التحدث معهما، مهما سمعت أو رأيت منهما، يقول تعالى: (إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهما أفٍ ولا تنهرهما وقل لهما قولاً كريماً) الإسراء/23، فالآية الكريمة أمر بالإحسان إليهما، وإلزام على الولد بالتأدب معهما، وانتقاء أفضل الألفاظ في الحوار معهما، وبخاصة حالة الشيخوخة، فلا تستثقل شيئاً تراه من أحدهما، ولا تُسمعهما قولاً سيئاً، أو كلمات مزعجة، حتى إن كان لفظاً خفيف النطق ثقيل المعنى كلفظ أفٍ، الذي هو أدنى مراتب القول السيئ، والأف دلت على الكلام الرديء الخفي، وقد دقق أهل العلم في معنى لفظ (أف): كالذي تراه منهما في حال الشيخوخة -الأذى- الذي رأياه منك في الصغر فلا تقذرهما وتقول أف، أو عند رؤية وسخ الأظفار والأذن والشيء الحقير أو استقذار لما شم وكل ما يؤذيه... وأف كلمة لكل شيء مرفوض، فما بالك بالكلام المزعج الجارح والذم والشتم والصراخ وكل عنف قولي أو عملي كالذي يصل إلى الضرب أو الطرد من البيت!

يقول القرطبي في تفسيره: خصّ الله تعالى حالة الكبر؛ لأنها الحالة التي يحتاجان فيها إلى بره لتغير الحال عليهما بالضعف والكبر؛ فألزم في هذه الحالة من مراعاة أحوالهما أكثر مما ألزمه من قبل، لأنهما في هذه الحالة قد صارا كلاً عليه، فيحتاجان أن يلي منهما في الكبر ما كان يحتاج في صغره أن يليا منه؛ فلذلك خصّ هذه الحالة بالذكر، وقد أمر أن يقابلهما بالقول الموصوف بالكرامة، وهو السالم عن كل عيب فقال: (فلا تقل لهما أفٍ ولا تنهرهما وقل لهما قولاً كريماً).

اليوم نرى الولد يحترم ويوقّر الغريب والبعيد، ويُشارك في دورات ليتفنن في أدب الحوار مع الآخرين، وينسى الطيب من القول مع الوالدين، ومع ذلك نجد الأم والأب لا اهتمام لهما إلّا بما يُرضي أولادهما وإن لم يجدا منهم إحساناً، ونسمع في ذلك مواقفاً وقصصاً عجيبة كالأم العجوز التي ذهبت مع ولدها للجلوس على شاطئ البحر، فتركها في شدة البرد، وأعطاها ورقة يطلب ممَنْ يقرؤها أن يأخذها إلى دار العجزة، وطال انتظارها واشتد قلقها على ولدها ولم تقلق على نفسها!

أحسن إليهما وقُل لهما القول الطيب اللطيف ولا يصدر منك إليهما فعل قبيح، واصبر مهما شعرت به من قسوة وسوء معاملة، واعلم أن الله تعالى لا يُضيع أجر المحسنين.

aaalsenan@

aalsenan@hotmail.com