الجهل، هو أخطر مشكلة يواجهها الإنسان، والمشكلة المعضلة أن يكون الإنسان جاهلاً بأنه جاهل، فيدّعي المعرفة دون أن يمتلكها، وإن من أشد أنواع الجهل خطورة هو جهل الإنسان بنفسه، لأنه يسبّب له الكثير من الارتباك، ويشوّه تعامله مع الله - جلّ جلاله -، ومع الناس، كما يحرمه من معرفة الفرص المتاحة له، والأخطار التي تهدده.
ولا يُظن ويُعتقد أن معرفة الإنسان بنفسه معرفة سهلة المرام، إنها معرفة بالغة التعقيد. الدراسات النفسية والاجتماعية والتربوية على غزارتها وعراقتها، إلا أنها مازالت عاجزة عن معرفة الطبقات العميقة للنفس البشرية، إذ أن كلما ظن العلماء أنهم يتقدمون في معرفة النفس الإنسانية، تفتّقت وانكشفت لهم تساؤلات، وعرضت لهم احتمالات لم تكن من قبل وردت عليهم، ويشعرون أنهم يقفون على أرض غير صلبة.
إن الذات البشرية ليست عبارة عن كتلة صلدة، أو ماهيّة بسيطة، إنها مركب ذو طبقات بعضها فوق بعض، وكلما تهيأ لنا أننا بلغنا القعر والعمق وجدنا أن هناك طبقة أعمق لم نستطع الوصول إليها، وهكذا... بالإضافة إلى هذا كله لا يحق لنا أن نهمل الجانب المعرفي في هذا المجال، حتى نعرف الفرص المتاحة لنا، والأخطار التي تُهدد صحتنا، مثلاً: نحتاج إلى خبرات تتصل بالواقع، وبعض العلوم التي قد لا يكون عندنا اطلاع عليها، لذا فإن الفائزين والناجحين في الحياة يعرفون الكثير من خصائصهم الذاتية، ويعرفون الفرص المواتية لتلك الخصائص، فيوائمون بينها، على حين يكون المخفقون والأشخاص العاديون جاهلين بهذه وتلك، ما يجعلهم دائماً في حالة من التخبّط والتردد، كما أنهم باستمرار يشعرون بأن الساحة مزدحمة، ومن ثم فلا مكان لهم فيها.
إن كثيراً من إمكاناتنا هو عبارة عن استعدادات وقابليات عقلية ونفسية؛ والتربية البيتية، ونُظم التعليم المدرسية هي التي تُنمّي تلك القابليات، لتحوّلها إلى خصائص وسمات ثابتة، أو تقتلها وتئدها في مهدها، لذا من المهم جداً ونحن نكتشف ذواتنا ونبلور طموحاتنا، ألا نخضع لما يتداوله الناس من أفكار ومقولات، ليس هناك أيّ ضمانة لصوابها وصحتها، بل ينبغي أن نكتشف أنفسنا من خلال المبادئ والقيم التي نؤمن بها، ومن خلال المعارف الصحيحة التي يعترف بها أهل العلم والنظر، ومن خلال مقارنة أحوالنا بأحوال السبّاقين من أهل الصلاح والنجاح الذين نخالطهم، أونقرأ عنهم.
وإن كنت تبحث عن استثمار يدر عليك طوال حياتك، فإن أفضل الاستثمارات على الإطلاق، هي تلك الاستثمارات التي نوظفها في معرفة أحوالنا الخاصة، والوقوف على إمكاناتنا الكامنة، وحقيقة المشكلات التي نُعاني منها، والمصاعب التي تواجهنا، «إنّ مَنْ عرف نفسه عرف ربّه»، وعرف أيضاً كيف يتعامل ويتعاون مع الناس، حيث إن هناك الكثير من القواسم المشتركة بين بني آدم صالحهم وطالحهم. فليكن لنا شعار لهذا الاستثمار: «كلما تعرّفت على نفسي، كلما تمكّنت من السيطرة عليها وأيضاً على بيئتي وعلاقاتي».
M.alwohaib@gmail.com
mona_alwohaib