إنّ من أعظم القُربات لله - تعالى - العلم، ووردت آيات وأحاديث وآثار عن السلف في أهمية العلم. وكان النبي - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - ينظر إلى الأفق البعيد، ويريد تنبيه المسلمين إلى أن العلم أنفع لهم من المال، لذا كان في أعقاب غزوة بدر فداء الأسير من كفار قريش يتراوح بين ثلاثة آلاف وأربعة آلاف درهم، وكانت الكتابة أكثر شيوعاً في أهل مكة منها في أهل المدينة، فمَنْ كان كاتباً من الأسرى، ولم يكن لديه فداء دُفع له عشرة من غلمان المسلمين ليعلمهم القراءة والكتابة، فإذا حذقوها أطلق سراحه، مع أن المسلمين كانوا في أمسّ الحاجة إلى المال.

ما أراده النبي - عليه الصلاة والسلام - هو تبيان وترسيخ بأن المنهج الإسلامي في تسيير دفة الحياة كان يرمي باستمرار إلى جعل مركز القوة في حياة الناس هو العلم والحق والعدالة، وليس القوة والمال والنفوذ.

فنحن اليوم بحاجة إلى المزيد من القراءة المنظمة والاطلاع الهادف أكبر بكثير من الماضي، إذ كلما زادت المعارف المتاحة والمتداولة اتسعت منطقة المجهول بالنسبة إلينا، وصار من الضروري مَنْ يرغب في الحفاظ على قيمة ثقافته وكرامتها أن يُعيد تكوينها على نحو مستمر.

إن التدفق الكبير للمعلومات يجعل ما بحوزتنا من معارف ومعلومات يتقادم بسرعة كبيرة. ويرى بعض الباحثين: أن أعراض الشيخوخة تعتري المعلومات بنسبة 10 في المئة في اليوم بالنسبة إلى الجرائد، و10 في المئة في الشهر بالنسبة إلى المجلات، و10 في المئة في السنة بالنسبة إلى الكتب.

والعلاج هو دوام الاطلاع والمتابعة وإحداث تنظيم لاكتساب المعرفة والتعامل معها، وذلك حتى لا يتدهور ما لدينا، وحتى لا ننغمس ونغرق في الأوهام والمقولات الخاطئة التي تنتشر بوصفها محددات ومفرزات ثانوية للتقدم العلمي.

إن مهمة طالب العلم لا تتحدد في حمله وحفظه وسرده، بل عليه أن يختزن في ذاكرته المعلومات في هيئة منهج، وبنى، ونماذج إرشادية، وعلاقات وتوجهات ومبادئ وحقائق أساسية، عوضاً عما يفعله كثير من طلاب العلم حين يحملون في رؤسهم أكداساً من المعلومات الموسوعية المشتتة التي لا يربط بينها أيّ رابط، وبالتالي لا يعرفون كيف يوظفونها في حياتهم، ولا يعرفون ماذا يصنعون بها.

إن سلطان العلم هو الذي يمكّن الناس من اكتشاف المنهج الأكثر ملاءمة لحل مشكلاتهم، ولنهوضهم وتقدمهم، لذا كانت أمة الإسلام أكثر أمم الأرض احتفاءً بالعلم، وإنفاقاً عليه، وتداولاً واستثماراً له، ونتج عن ذلك قيام حضارة زاهية نزعت وبزت كل الحضارات المعاصرة لها.

فالأمم الأكثر إنتاجاً والأكثر نفوذاً تتخذ من العلم والمعارف المتقدمة القاعدة الأساسية لنهضتها، وهذا ينطبق أيضاً على الأفراد والجماعات. والمطلوب من كل واحد منّا أن يبحث عن طرق جديدة لاكتساب المعرفة واستخدامها، وتوفير الوقت والمال لذلك.

M.alwohaib@gmail.com

‏mona_alwohaib@