كل إنسان عنده صور ذهنية عن كل الأشياء بالوجود، وتكون هذه الصور نتيجة تربيته وثقافته وبيئته وتفاعلاته وخبراته الشخصية، ومن هذا المنطلق صرحت الفاضلة/ لولوة الملا:«ان قرار تخصيص راتب شهري للمرأة غير العاملة محاولة لإقصائها ويحفز على البطالة ويهدر مقدرات الوطن ويشكل عبئاً على الميزانية».
انتهى تصريحها. لا نعلم مقصودها في ما سبق هل هو إنصاف للمرأة؟! أم هو تمييز بين المرأة العاملة خارج المنزل وبين من تعمل داخله؟! إليكِ أيتها الفاضلة، نحن أمة تفاخر وتفتخر بأشياء كثيرة من جملتها الثقافة التربوية، التي تعني ادراكاً متكاملاً لفلسفة التربية بمعاييرها الشرعية.
إن النهضة الحضارية تظل شيئاً غير ممكن من غير نهضة تربوية شاملة، وإن التخلف الحضاري هو في الأساس تخلف تربوي أو إخفاق في جهود المربين.
وإن أهمية التربية تنبع من كونها أشبه بإعادة صياغة الفرد حيث يتم من خلالها استكمال بشريته وتكوينه الإنساني، ولهذا قيل: «إن ولد إنسان لا يصبح إنساناً إلا إذا رباه إنسان».
وعلى مدار التاريخ كان العمل التربوي عملاً شاقاً ويعتمد على براعة المربي، في سيطرته على المؤثرات في شخصية من يربيه.
التربية عملية اجتماعية في الأساس، يتولى مسؤوليتها الكبرى الأسرة، وهي عملية تفاعلية تكيفية يعبر المربي من خلالها عن حاجات الفرد وحاجات المجتمع. المربي الجيد هو الذي ينجح في دمج من يربيه في المجتمع دون أن يجور على ما يُشّكل جوهر شخصيته على صعيد الطموحات والإمكانات، وإن الكمال في هذا شيء نطلبه ولا ندركه.
وبعد أن وضحنا أهمية التربية، والأهم منها ثقافة ومرجعية المربي، نتفق على ضرورة تفرغ المربي لهذه الوظيفة العظيمة، التي هي عبارة عن صناعة إنسان، ومن هذه الصناعة نبني مجتمع بأكمله من شخصيات تربت على أيدي مربين خصصوا جل وقتهم لغرس القيم والمبادئ التربوية التي تجعله إنساناً صالحاً يكون إضافة للمجتمع، وليس عالة عليه لا يثمر ولا ينتج.
ما ترينه إقصاءً فهو توكيل وتنصيب من الله ثم من الدولة لتربية أجيال صالحة مستقيمة، ناجحة في الحياة، مؤهلة لكسب رزقها بكرامة ويسر، لديها عادة المشاركة في الإصلاح والإسهام في إثراء الحياة العامة وحمل بعض أعباء الوطن.
إن العمل التربوي عمل شاق ومتعب، وعلى قدر المشقة يكون الأجر، فهي تستحق راتباً يوازي تعبها ومشقتها في عملها التربوي.
والبطالة هي عدم الحصول على فرصة عمل على الرغم من توافر الرغبة والاستعداد والقدرة على العمل، وها هي المرأة حصلت على فرصة عمل ولديها الرغبة والاستعداد والقدرة على العمل من داخل بيتها، عملاً صعباً ومتعباً وفيه تحديات كثيرة، فهي في تجديد مستمر للأساليب التربوية وفي تحديد ما يحتاجه صلاح الأبناء ونجاحهم من قيم ومفاهيم ومهارات وزاد معرفي علمي، والكل يعلم بأن المرأة الكويتية قابلة وقادرة على المواجهة والتحدي بامتياز مع مرتبة الشرف، والتاريخ يشهد لها بذلك. فأين هو التحفيز على البطالة؟!
وإن كان هناك هدر لمقدرات الوطن فهو من الفساد المالي والإداري الناتج من أشخاص لم يتلقوا تربية بمقاييس شرعية، تؤهلهم لنبذ الفساد القيمي والأخلاقي، أفراد يحللون الحرام، ويحرّمون الحلال.
وإن كان هناك عبء على الميزانية فهو آتٍ من الرشاوى وأكل مال السحت والاختلاسات والسرقات من الفاسدين الذين لا يردعهم رادع ديني أو قيمي أو أخلاقي.
نتمنى من الفاضلة التركيز على قضايا المرأة الكويتية ذات الأولوية، أين نحن من حقوق المرأة العزباء التي تحرم من القرض الإسكاني والسكن، لأنها لم تتزوج أو تطلقت أو ترملت ولم تنجب! أليس من حقها القرض والسكن من دون تمييز! أين نحن من حقوق أبناء المرأة الكويتية المتزوجة من غير كويتي؟! أين دوركم في مناهضة العنف ضد المرأة بأشكاله وأنواعه؟!
للمرأة شجون وآهات على حقوقها المنتقصة، كرمها الله وأعطاها حقوقاً كاملة لا نقص ولا خلل فيها، ويأتي بنو البشر ينتقصون بعض الحقوق، ويحرمونها حقوقاً أخرى.
إن الاهتمام بالمرأة العاملة من داخل المنزل والاهتمام بمتطلباتها المستقبلية على الصعيد التربوي الذي يمكن أن يساعدنا على تطوير معظم الأساليب التربوية والتي تحتاج إلى الحماية من الجمود وضيق الأفق والترهل لا يقل أهمية عن الاهتمام بالمرأة التي تعمل خارجه، والاهتمام بمتطلباتها المستقبلية على كافة الأصعدة.
M.alwohaib@gmail.com
@mona_alwohaib