إن القرآن الكريم قد شدد النكير على أولئك الذين تختلف أعمالهم عن أقوالهم حين قال: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ ٢ كَبُرَ مَقْتًا عِندَ اللَّهِ أَن تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ ٣﴾ سُّورَة الصَّف. الناس خلال حركتهم اليومية يخضعون لأهوائهم وشهواتهم، وتضغط عليهم مصالحهم، فيجورون ويتجاوزون على مبادئهم، وتصبح حركتهم اليومية غير منضبطة على الوجه المطلوب بما يؤمنون من مُثل وقيم ونظم.

والذين يدّعون أنهم أخلاقيون ومثاليون كُثر، بل إن كل المتنافسين في مختلف المجالات يتخذون من ادعاء التسامي الخلقي وسيلة لترجيح كفتهم على كفة منافسيهم، لكن السلوك الفعلي هو المحك والاختبار الذي يكشف كل الدعاوى الزائفة. السلوك هو مجموعة من العادات، والذي يحدد سلوك الواحد منا هو نوعية الأعمال والأنشطة الصغيرة التي يقوم بها في كل يوم، وأثبت كثير من الدراسات أن عشر عادات سيئة كافية لنقل أي إنسان من مستوى الإنسان العادي إلى مستوى الإنسان السيئ، كما أن عشر عادات جيدة كافية لنقل أي إنسان إلى مستوى الإنسان الجيد، وهذا يعني أن علينا أن نتعلم كيف نتخلص من بعض العادات السيئة ليحل محلها بعض العادات الحسنة، لنرى أن أوضاعنا قد اختلفت كليّاً خلال بضع سنوات.

من الطرق الجيدة للتخلص من العادات السيئة أن نربط بين الآلام والعواقب الوخيمة التي يمكن أن تحدث لنا، وبين ما لدينا من عادات سيئة، يمكن أن يربط الإنسان المفرط في تناول الطعام بين هذه العادة، وبين الأمراض والمشكلات الصحية التي تسببها السمنة، وهكذا... والتفكر والتدبر والنظر إلى المستقبل هي التي تُغذي الحماسة للتغيير واتقاء سوء العاقبة من خلال التخلص من الأسباب والمقدمات المؤدية إليها.

وقد كثر الذين يتغنون بالإنجازات والنجاحات التي لم يحققوها وفق أي قاعدة أخلاقية، ولا في إطار أي تشريع أو قانون، وعلى هؤلاء أن يعلموا أن اللصوص أصحاب إنجازات أيضاً، وأن كل الإنجازات التي تتم خارج إطار المشروعية والنظام هي شكل من أشكال اللصوصية!

نحن بحاجة إلى ردم الهوة بين مبادئنا وسلوكياتنا عن طريق رفع مستوى الجودة والنوعية لأعمالنا وإنجازاتنا، فالمحافظ على صلاة الجماعة يطلب من نفسه الحرص على أن يكون في الصف الأول، والذي يدرس كل يوم ساعتين يلزم نفسه بأن يقرأ كل يوم ثلاث ساعات، وهكذا... ولا شك أن مثل هذا الارتقاء ليس سهلاً على النفس، ومن قال: إن القيام بالتكاليف والواجبات هو شيء سهل ومحبب إلى النفوس؟!

التغيير دائماً ينطوي على قدر من المشقة، ولكن حلاوة النصر على النفس ونشوة اجتياز العقبات تُنسي المرء طعم المعاناة، وهو ينتظر إلى جانب ذلك من الله حسن العاقبة. ومن العسير أن يجعل الإنسان من نفسه قدوة في جميع شأنه فليحاول كل فرد أن يكون قدوة في جانب من جوانب شخصيته ومسيرة حياته، كأن يقدم نموذجاً راقياً في المحافظة على الوقت، أو إتقان التخصص، أو التفوق الدراسي... وإذا فعل ذلك 5 في المئة من أفراد المجتمع، فإن تغيرات جذرية ستطرأ على حياة المجتمع وسنلمس حينها نهضة اجتماعية هي أعظم مما نتصور.

M.alwohaib@gmail.com

‏@mona_alwohaib