كيف يمكن المحافظة على المؤسسات لتكون في الصدارة من دون أن تنهار أو تشيخ؟ لا شك أن الكفاءات البشرية من أهم عناصر إدارة المؤسسات، بمعنى وضع الرجل المناسب في المكان المناسب، لأن أسوأ شيء يمكن أن تفعله لأي إنسان، أن تحجب عنه قدراته الحقيقية، كما يقول جاك ويلش، فالعديد من الموظفين لا يستحقون البقاء على كراسيهم يوماً واحداً، ولكنهم موجودون بحكم علاقاتهم الاجتماعية أو لتأديتهم أعمالاً خاصة لبعض المسؤولين، ولكن بعد فترة يكتشفون أنهم في المكان الخطأ.

إن نجاح المؤسسات يشبه قانون المزرعة الذي تحدث عنه ستيفن كوفي في كتاب «العادة الثامنة»، فمن المستحيل أن تجد أحد المزارعين يزرع محصوله ويؤجل العمل حتى وقت الحصاد، فيحاول أن يهيئ التربة ويغرس الزرع ويسقيه ويزيل الحشائش الضارة، ويتعهده في يوم واحد ثم يحصد محصوله.

فلا بد أن تأخذ كل مرحلة من مراحل الزراعة وقتها اللازم لإتمام الزراعة بنجاح. وإن كان البعض يتحايل على النظام مثل طلاب لا يدرسون إلا وقت الاختبار، أو لاعبين يتجاهلون التدريبات وفِي يوم البطوله يريدون تحقيق النتائج... فهذا وهم ونجاح مزيّف.

يقول ستيفن كوفي: المشكلات في الحياة تأتي عندما نزرع شيئاً ونتوقع حصاد شيء آخر مختلف تماماً. فالصحة البدنية تتوقف على المبادئ الطبيعية لقانون المزرعة، ومع مرور الوقت من الرياضة المنتظمة والغذاء الصحيح والراحة البدنية الكافية والراحة الذهنية وتجنب المواد الضارة بالجسم، تصل إلى الحالة البدنية والصحية المرجوة. وكذلك الحاجات الاجتماعية، حيث إن العلاقات الاجتماعية الجيدة تُبنى على المبادئ خصوصاً الثقة التي تنمو كلما أصبحت محلاً لها.

والبعض في المؤسسات يعيش وهم القيادة، فالعالم يتغير بشكل كبير، بينما هم ثابتون، يعرفون جيداً كيف يتحدثون، ولكن عند العمل تجد أن كلامهم لا يتناسب مع أدائهم الضعيف والقائم على المصلحة الشخصية، والتعيين على الولاء وليس الكفاءة، عندها ستكون النتائج وخيمة على مستقبل المؤسسات.

والقائد الناجح هو الذي يؤسس فريق عمل متميزاً، مبنيّاً على أساس الكفاءة، مع وضع هدف واضح يسعى الفريق لإنجازه... هذا هو التحدي الحقيقي أن تلعب دور المايسترو.

وبداية نهاية أي مؤسسة هو الغرور والنجاح المزيف، حيث إن القيادي الناجح يملك صفة التواضع، لأن المكابرة تمنع وتحجب الإنسان أن ينظر للأمور بطريقة سليمة، والنرجسية صفة ملازمة للغرور، وفي الغالب يقدم المصلحة الشخصية على مصلحة المؤسسة... لذلك تجد معدل الدوران عالياً في هذه المؤسسات.

ويقول صن تزو في كتاب فن الحرب: «إن من يعرف عدوه، ويعرف نفسه لن يُهزم حتى في مئة معركة، ومن لا يعرف عدوه في حين يعرف نفسه، فسيعاني من هزيمة مقابل كل نصر يحالفه، أما من لا يعرف عدوه ولا يعرف نفسه فسينال الهزيمة في كل معركة يخوضها».

لذلك، أي مؤسسة يقودها إنسان يسيرها على عكس النواميس الكونية، لن تصمد طويلاً، وسقوطها سيكون مسألة وقت لا أكثر.