العالَم ما بعد «كورونا»، لن يكون كما قبله، الأمر ذاته ينسحب على وجهات العمالة المهاجرة، التي واجهت تجربة صعبة، ذاقوا فيها مرارة الوباء مضاعفة، حتى جعلت العديد منهم، يبادر طوعاً لترك بلد الهجرة، فيما وُضع آخرون أمام خيارات صعبة، مع سنّ المزيد من القوانين الطاردة لهذه الشريحة، خصوصاً في الكويت وعدد من الدول الأخرى.

ومع اضطرار الملايين من العمالة العودة إلى ديارهم، غير مرجح أن يشهد العالم حركة هجرة كبيرة مجدداً، ومن سيفكر في الهجرة سيضع ألف حساب لوجهته المقبلة، تجنباً لتذوق مرارة جديدة.

ولذلك لا تبدو خيارات المهاجرين بعد الجائحة لوجهات كسب لقمة عيشهم، كما كانت في السابق، مع تراجع جاذبية بعض البلدان، وبروز بلدان أخرى واعدة في استقطاب الوافدين حول العالم.

ويبدو الحديث عن مستقبل جاذبية الكويت لاستقطاب الوافدين يكتنفه الكثير من حالة عدم اليقين، خصوصاً مع عدم وضوح رؤية البلاد في هذا الجانب، فتارة تعلن الحكومة عزمها تخفيض أعدادهم بواقع 30 في المئة، مع تسريح العديد من الموظفين في كثير من الجهات الحكومية، وتارة تطالعنا التقارير الإخبارية عن مساعي لاستقطاب عمالة جديدة، كما ذكرت بعض الصحف الباكستانية أخيراً.

مع ذلك، تشير التوجهات الأخيرة للبلاد، إلى أن مستقبل الكويت كوجهة للوافدين، لن يكون على الأقل جاذباً للعمالة ذوي المهارات المنخفضة، بخلاف ذوي الياقات البيضاء من الأطباء وأصحاب الشهادات العليا والفنيين، إلى جانب أصحاب الخبرات النوعية الذين يقدمون إضافة إلى سوق العمل.

مدريد الأكثر جاذبية

وخلصت دراسة حديثة نشرها موقع «إكسبات نيتورك»، إلى أن مدينة مدريد الإسبانية، ستكون الأكثر جذباً للوافدين من حول العالم في مرحلة ما بعد «كورونا»، بفضل توافر فرص العمل، إلى جانب الرعاية الصحية، بالإضافة إلى تمتعها بتوافر وسائل نقل ذات تكاليف معقولة، وانخفاض تكلفة المعيشة، مع وجود مطاعم مصنفة ضمن الأفضل عالمياً، فيما ستكون مدينة ريكيافيك الآيسلندية ثاني أفضل وجهة للعمالة المهاجرة، بحيث تتمتع بمناخ متنوع وطبيعة جميلة، بالإضافة إلى نظام رخاء اجتماعي، وتعليم ورعاية صحية مجانية.

أما ثالث أفضل المدن فستكون لوكسمبورغ والتي تعتبر واحدة من أكثر البلدان أماناً في العالم مع تنوع سكاني، إذ يشكل فيها الوافدون نحو 44 في المئة من نسبة السكان.

وفي تقرير نشرته مجلة «فورين أفيرز»، تبدو اليابان من بين أهم الدول جذباً للعمالة الوافدة والطلاب الدوليين أيضاً، ما بعد الأزمة الصحية، لما تحظى به الدولة من أمن واستقرار نسبي، علاوة على انخفاض معدل البطالة، وحاجتها للمزيد من العمال، مع وجود عدد من الجامعات المرموقة التي من شأنها أن تجذب الطلاب الذين قد لا يرغبون الآن في دراسة مكلفة في دول الغرب.

وأشار التقرير إلى أن الحكومة اليابانية أصدرت خلال الأعوام القليلة الماضية فئات جديدة من التأشيرات، كما قدمت معايير متساهلة لبعض التأشيرات القائمة لاستقدام مزيدٍ من العمال والطلاب الأجانب والإبقاء عليهم.

البقاء في البلد

ويبدو أن البقاء في البلد الأم والحفاظ على العلاقات العائلية، سيكون أحد الخيارات التي سيتمسك بها عدد لا بأس به من الوافدين، خصوصاً أولئك الذين تعرّضوا لتجارب قاسية أثناء تواجدهم في بلدان الهجرة خلال أزمة «كورونا».

وسيعوّل عدد من هؤلاء على ما جنوه من مدخرات أثناء عملهم واستثمارها في قنوات توافر لهم توليداً مستداماً للدخل، في الوقت الذي لن يكون من السهل على البقية إيجاد فرص عمل جديدة تناسب ما كانوا يتقاضونه في بلدان الهجرة.

أنباء متضاربة

رأى كبير اختصاصيي نشاطات التوظيف في منظمة العمل الدولية، غاري راينهارت، أن تعطيل سلاسل التوريد والحدود المغلقة الناتج عن الوباء، سيؤدي إلى تحول المزيد من الشركات إلى التكنولوجيا والأتمتة والذكاء الاصطناعي، مبيناً أن ذلك يمثل أخباراً سيئة بالنسبة للمهاجرين، لاسيّما لدول جنوب شرق آسيا، خصوصاً العاملين منهم في مصانع الملابس، أو صناعة تقشير الجمبري في تايلند، والتي يقوم بها مهاجرو ميانمار، مشيراً إلى أن التكنولوجيا التي تستهدف التقليل أو القضاء على الحاجة إلى العاملين في هذه الصناعات موجودة بالفعل.

ولفت راينهارت إلى أن العمالة الوافدة لقيت حالة متزايدة من التمييز، لاسيّما مواطني دول آسيا المرتبطة على وجه التحديد خلال أزمة «كورونا»، فيما سعت بعض الأحزاب السياسية الشعبوية إلى جعل العمالة المهاجرة ككبش فداء لمواجهة ضغوطات القوانين المتشددة والطاردة.

وأشار راينهارت إلى أن العالم ما بعد الجائحة لن يحمل بالضرورة أخباراً سيئة للوافدين، إذ هناك دلائل تشير إلى وجود فرص جديدة لهم، وتصورات أفضل.

وذكر راينهارت أن العديد من المهاجرين باتوا يقومون بتأدية الأدوار الطبية في الخطوط الأمامية، أو تقديم الخدمات الأساسية، مثل العمل في السوبرماركت أو تنظيف المستشفيات.

ونوه ببعض التخفيف من القيود المفروضة على العاملين الصحيين المدربين والمولودين الخارج في الخارج في البلدان ذات الدخل المرتفع للتعامل مع الأزمة، بحيث تم استدعاء الأطباء اللاجئين من دون مؤهلات معترف بها في ألمانيا، والاعتراف بمؤهلاتهم بسرعة.