هل تعلم لماذا يمكن لأدمغتنا إعادة تشغيل أكثر لحظاتنا إحراجاً من سنوات مضت بدقة عالية، لكنها تكافح لتذكر مجاملة من الأسبوع الماضي؟

السبب هو ميل أدمغتنا إلى التمسك بالأفكار السلبية بشكل أقوى من الأفكار الإيجابية، وهو ما يُشار إليه بتحيز السلبية.

ويتم تضخيم هذا التحيز المعرفي غالباً من خلال ظاهرة أخرى يسميها الباحثون تجاوز المشاعر السلبية.

وإذا كنت قد جربت هذا أيضاً، فيمكنك أن تستريح لمعرفة أنها ليست سمة شخصية فريدة، بل ظاهرة تم تسجيلها ودراستها في علم النفس التطوري لعقود. وهو ما يعني أن الخطأ أو الإذلال الماضي الذي تستمر في إعادة عيشه ليس بالعمق الذي تظنه على الأرجح. وهذا التحيز ميزة مدمجة في البرمجة البشرية، شكلها التطور وعززها الضغط الحديث، ويمكن أن يساعدك فهم سبب حدوث ذلك على كسر الدورة واستعادة السيطرة على سردك العقلي.

وهناك أسباب رئيسية تجعل الدماغ ينجذب نحو السلبية وما يمكن للشخص فعله حيال ذلك.

فقبل فترة طويلة من وجود الهواتف الذكية أو المواعيد النهائية أو وسائل التواصل الاجتماعي، كان لدى البشر وظيفة واحدة: البقاء على قيد الحياة، وهو ما يعني الانتباه الشديد لأي شيء يمكن أن يسبب الأذى.

وعلى مدى آلاف السنين، أدى ذلك إلى إعطاء الدماغ البشري الأولوية للمعلومات السلبية أو المهددة.

وتؤكد الأبحاث أيضاً أن اللوزة الدماغية، وهي بنية دماغية حرجة لمعالجة المشاعر، تستجيب بقوة للمحفزات المثيرة عاطفياً.

وفي حين أنها نشطة لكل من المحفزات الإيجابية والسلبية، تُظهر الأدلة إعطاء أولوية قوية بشكل خاص عندما يُدرك التهديد. وقد لا يحاول دماغك تعذيبك، بل يحاول حمايتك بأفضل طريقة يعرفها.

وقد وثقت أبحاث نفسية منذ فترة طويلة تحيز السلبية: ميلنا لتذكر التجارب السلبية بشكل أكثر وضوحاً من التجارب الإيجابية.

واختبرت إحدى الدراسات التي تتبعت حركة العين 130 طالباً جامعياً ذكراً ووجدت أن الناس يولون اهتماماً أكبر للتفاصيل المركزية في الأحداث العاطفية السلبية، وهو ما يجعل هذه الذكريات مشفرة بشكل أعمق، وذلك لأن التجارب السلبية تنشط نشاطاً أكبر في مركز معالجة المعلومات في الدماغ، خصوصاً اللوزة الدماغية، التي تعطي الأولوية للذكريات المشحونة عاطفياً.

وبمجرد أن تتغلغل الأفكار السلبية، فإنها تؤدي إلى استجابة للضغط، ويؤدي الاستغراق في السلبية غالباً إلى إطلاق الكورتيزول، هورمون التوتر، وهو ما يجعل دماغك حساساً لمزيد من الإشارات السلبية بدوره. وهو ما يخلق حلقة قوية: يدخل فكر سلبي إلى الدماغ، وبسبب محتوياته المزعجة، يشير الدماغ للجسم لتفعيل استجابة التوتر.

ونتيجة لذلك، يصبح الدماغ والجسم أكثر حساسية لمعلومات أو محفزات سلبية أخرى، وهو ما يؤدي في النهاية إلى تراكم المزيد من الأفكار السلبية في الدماغ.