كشف فريق دولي من الباحثين عن سر وراثي داخل بذور الشعير يمكن أن يساعد في حماية الإمدادات الغذائية العالمية من التأثيرات غير المتوقعة لتغير المناخ. وتحدد الدراسة، موقتاً بيولوجياً محدداً يتحكم في وقت قرار البذرة للاستيقاظ والنمو.

وأعد الدراسة التي نُشرت في 6 نوفمبر في مجلة «ساينس» علماء من معاهد رائدة في الصين والدنمارك وفرنسا والمملكة المتحدة، وكان تركيزهم على صفة تسمى سكون البذور، وهي حالة نوم طبيعية تمنع البذور من الإنبات حتى عندما تبدو الظروف البيئية مواتية. ورغم أن هذا يساعد النباتات على البقاء في البرية، إلا أنه يخلق ما يسميه الباحث الرئيسي وانغ يوتشنغ سيفاً ذا حدين للزراعة الحديثة.

وأوضح وانغ، الأستاذ في معهد أبحاث هضبة «التيبت» التابع للأكاديمية الصينية للعلوم، أنه إذا استيقظت البذور مبكراً جداً، فقد تنبت وهي لا تزال متصلة بالنبات قبل الحصاد. وتسمى هذه المشكلة الإنبات قبل الحصاد، وهي الأمر الذي يفسد جودة الحبوب ويؤدي إلى خسائر تزيد على مليار دولار أميركي (305 ملايين دينار كويتي) سنوياً. وعلى العكس من ذلك، إذا بقيت البذور نائمة لفترة طويلة جداً، فلن تنمو في الوقت المناسب لموسم الزراعة التالي، وهو الأمر الذي يعطل الجدول الزراعي بأكمله.

وباستخدام تكنولوجيا رسم الخرائط المتقدمة للحمض النووي التي تسمح للعلماء بقراءة خيوط طويلة من الشفرة الوراثية، حدد الفريق جيناً يسمى «إم كيه كيه 3» كمنظم رئيسي لهذه العملية.

وقال كريستوف دوكتر، رئيس تربية الحبوب وتطوير السمات في مختبر أبحاث «كارلسبرغ» في الدنمارك، إن طول سبات البذرة يتحدد بعدد نسخ هذا الجين الموجودة ومدى نشاطها. وتعمل المزيد من نسخ الجين مثل ساعة منبه أعلى، وهي الأمر الذي يقصر فترة السكون ويسبب إنبات البذور بشكل أسرع.

ومن خلال تحليل أكثر من 1.000 عينة من الشعير من جميع أنحاء العالم، وجد الفريق أن مناطق مختلفة اختارت بشكل طبيعي نسخاً متنوعة من هذا الجين للبقاء على قيد الحياة في أنماط الطقس المحلية. وفي المناطق الرطبة الموسمية في شرق «آسيا»، تطور الشعير مع نسخة أكثر هدوءاً من الجين للبقاء نائماً لفترة أطول، وهو الأمر الذي يحمي المحصول من الإنبات المبكر في المطر.

وفي المقابل، اختار الفايكنغ القدماء في شمال أوروبا الشعير ذا فترة سكون أقصر لضمان نمو محاصيلهم بسرعة وبشكل متساوٍ، وكان ذلك حيوياً لإنتاج بيرة عالية الجودة. وحتى أن هؤلاء المزارعين القدماء استخدموا تقنيات التجفيف بالدخان لمنع بذورهم سريعة النمو من الإنبات مبكراً جداً.

وسلطت الدراسة الضوء أيضاً على نوع فريد من الشعير يسمى «تشينغكي»، أو الشعير العاري، الموجود على هضبة التيبت. وقد طور هذا الصنف ما يمكن وصفه بوضع النشاط الأعلى في العالم. ومن خلال الاختيار والتربية طويلة الأمد، طور «تشينغكي» واحداً من أقوى أنشطة «إم كيه كيه 3» عالمياً، وهو الأمر الذي أدى إلى أضعف سكون للبذور وأقوى قدرة على الإنبات.

وقال وانغ إن الاكتشاف يوفر مخططاً لتصميم محاصيل يمكنها التعامل مع الضغوط البيئية.

وأشار إلى أنه مع تغير المناخ العالمي، قد تصبح بعض السمات الوراثية التي فُقدت أو ضعفت خلال قرون من الزراعة مفيدة مرة أخرى.

وسيركز البحث المستقبلي على استرجاع هذه السمات الوراثية القديمة وتطبيقها على المحاصيل الحديثة لضمان قدرتها على البقاء في عالم تختلف فيه البيئة بشكل كبير عن الماضي.