لو تأملنا بعنوان مقالنا اليوم، ربما نتعجب... كيف يكون للخشوع طاقة، فهل للخشوع طاقة فعلاً، وهل هناك حقائق علمية وقرآنية تدل على ذلك؟!

إن الخشوع هو أفضل علاج لكثير من الأمراض التي تصيب الإنسان، فالمؤمن عندما يمارس عبادة الخشوع يمتلك طاقة كبيرة في كل المجالات.

كيف؟ يظن المؤمن أحياناً أن الله أمرنا بالخشوع فقط لنتقرّب إليه، ولكن الدراسات العلمية أظهرت شيئاً جديداً حول ما يسميه العلماء «التأمل»، ولكن هذا التأمل هو مجرد أن يجلس المرء ويحدّق في جبل أو شمعة أو شجرة دون حركة ودون تفكير، ووجدوا أن هذا التأمل ذو فائدة كبيرة في معالجة الأمراض وتقوية الذاكرة وزيادة الإبداع والصبر وغير ذلك، ولكن القرآن الكريم لم يقتصر على التأمل المجرد بل قرنه بالتفكر والتدبر وأخذ العِبرة والتركيز على الهدف، وسماه «الخشوع»، فكان الخشوع من أهم العبادات وأصعبها لأنه يحتاج لتركيز كبير.

وهكذا فإن كلمة الخشوع تدل على أقصى درجات التأمل مع التفكير العميق، وهذا الخشوع بالطبع ليس مجرد عبادة بل له فوائد عظيمة في علاج الأمراض واكتساب قدرات هائلة ومتجددة.

إذا، ما العلاقة بين الخشوع والقلب؟ لقد أظهرت دراسة جديدة نشرتها مجلة جمعية القلب الأميركية (The American Heart Association) أن التأمل لفترات طويلة ومنتظمة يقي القلب من الاحتشاء او الاضطراب، ويعمل التأمل على علاج ضغط الدم العالي High Pressure، وبالتالي تخفيف الإجهاد عن القلب، ولذلك قال الله تعالى في محكم تنزيله مخاطباً المؤمنين: «ألم يأنِ للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله».

كما أظهرت هذه الدراسة أن للقلب عملاً مهماً وليس مجرد مضخة، وتؤكد الدراسة على أهمية التأمل والخشوع في استقرار عمل القلب، ويقول الأطباء اليوم إن أمراض القلب هي السبب الأول للموت في العالم، وسبب هذه الأمراض هو وجود اضطراب في نظام عمل القلب، ومن هنا ندرك أهمية الخشوع في استقرار وتنظيم أداء القلب.

فالدراسات كذلك تثبت اليوم أن التأمل يُعالج الاكتئاب والقلق والإحباط وهي أمراض العصر التي انتشرت بكثافة اليوم.

ليس هذا فحسب، بل وجدوا أن التأمل المنتظم يعطي الإنسان ثقة أكثر بالنفس ويجعله أكثر صبراً وتحملاً لمشاكل وهموم الحياة، لذلك يقول الله تعالى: «الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله، ألا بذكر الله تطمئن القلوب». وهكذا أيها القُرّاء الكرام، فإذا أردتم أن تبعدوا عنكم اضطرابات القلب، عليكم بالخشوع ولو للحظات قليلة في كل يوم.

إذا، ما هي علاقة الخشوع بالموجات التي يطلقها الدماغ؟ لقد وجد العلماء أن دماغ الإنسان يصدر ترددات كهرطيسية باستمرار، ولكن قيمة الترددات تتغير حسب نشاط الإنسان، ففي حالة التنبه والنشاط والعمل والتركيز في أي مهام يطلق موجات اسمها «بيتا» وأما في حالة الاسترخاء والتأمل العادي فيطلق الدماغ موجات «ألفا»، كما في حالة النوم والأحلام والتأمل العميق فيعمل الدماغ على موجات «ثيتا»، وأخيراً وفي حالات النوم العميق بلا أحلام فيطلق الدماغ موجات «دلتا».

ومن خلال ما اكتشفه العلماء نستطيع أن نستنتج أن الإنسان كلما كان في حالة خشوع فإن الموجات تصبح أقل ذبذبة، وهذا يريح الدماغ ويقوّيه ويساعد على إصلاح الخلل الذي أصابه نتيجة مرض أو اضطراب نفسي مثلاً، لذلك يعتقد بعض الباحثين أن الانفعالات ترهق الدماغ وبالتالي يقصّر العمر بينما نجد ان التأمل يريح الدماغ ويطوّل العمر ويكيّف المزاج.

إن أهم موجات يبثها الدماغ تلك الموجات ذات التردد المنخفض والتي تُعتبر وسيلة شفائية للجسد بسبب تأثيرها على خلايا الجسم والنظام المناعي وبالتالي فإن التأمل وبكلمة أخرى «الخشوع» تعتبر وسيلة فعّالة لتوليد هذه الموجات والتي تؤثر إيجابياً على خلايا الدماغ وتُعيد برمجته وتصحيح الخلل الحاصل في برنامج عمل الدماغ، وبالتالي فإن ممارسة الخشوع تعتبر بمثابة تهيئة وتنظيم وتقوية لعمل الدماغ.

والسؤال هنا: هل الخشوع يزيد من حجم الدماغ؟ لقد قام باحثون من كلية هارفارد الطبية Harvard College حديثاً بدراسة التأثير المحتمل للتأمل على الدماغ فوجدوا أن حجم دماغ الإنسان الذي يُكثر من التأمل أكبر من حجم دماغ الإنسان العادي الذي لم يعتد التأمل أو الخشوع، ولذلك هناك اعتقاد بأن التأمل يزيد من حجم الدماغ أي يزيد من قدرات الإنسان على الإبداع والحياة السليمة والسعادة، فقد وجدوا أن قشرة الدماغ في مناطق محددة تصبح أكثر سُمكاً بسبب عملية التأمل، وتتجلى أهمية هذه الظاهرة إذا علمنا أن قشرة الدماغ تتناقص كلما تقدمنا في السن، وبالتالي يمكن القول إن التأمل يُطيل العمر أو يبطئ تقدم الهرم!

وأظهرت دراسة في جامعة هارفارد أنه كلما كانت مدة التأمل أكبر كان التأثير أوضح على الدماغ من حيث الحجم واستقرار عمل الدماغ، أي أن هناك علاقة ما بين التأمل وحجم وسلامة الدماغ، وهذا التأثير على الدماغ يحدث بفعل التأمل، ولكن الخشوع يُعطي نتائج أكبر.

وفي المقال المقبل نستكمل البقية...

ولكل حادث حديث،،،

alifairouz1961@outlook.com