أصدر معهد «علما» تقريراً يُحلّل تغيّر سياسة دولة إسرائيل، من الأيام التي سبقت السابع من أكتوبر 2023، وصولاً إلى السياسة الهجومية والمتشدّدة المتّبعة منذ ذلك الحين وحتى اليوم.

وأشار المعهد إلى أنه حتى السابع من أكتوبر، وعلى مدى أكثر من عقدين، انتهجت إسرائيل سياسة الاحتواء تجاه التهديدات. وكان المبدأ الموجّه هو «الهدوء بأي ثمن» - إذ كانت إسرائيل تردّ على الهجمات، لكنها لم تُقدِم على عمليات استباقية لإحباط التهديدات.

وتابع أنه «بعد السابع من أكتوبر طرأ تغيير على التصوّر الإستراتيجي لإسرائيل، وانتقلت من سياسة الاحتواء إلى سياسة استباقية - وقائية، تقوم على إحباط التهديدات في مرحلة مبكرة بهدف منع تعاظم قوة العدو ومنع تدهور الوضع الأمني».

هذه السياسة تتعرّض لانتقادات متواصلة من حكومات في المنطقة، ومن جهات دولية، ومن الإعلام الأجنبي، الذي يصفها بأنها عدوانية وسلوك غير منضبط من جانب إسرائيل - تصرفات قوة مهيمنة تهاجم عدوّها في كل مكان وفي كل وقت، بحسب التقرير.

وأضاف أن «الإستراتيجية التي اعتمدتها إسرائيل في العامين الأخيرين هي إستراتيجية مركّزة ومحسوبة. هي ليست هجومية بل دفاعية، ولا تنبع من رغبة في التوسّع أو السيطرة على المنطقة، بل من احتياجات الأمن القومي. تتصرّف إسرائيل بشكل محدود وتهدف إلى تقليل الأضرار وعدم المساس بالمدنيين غير المعنيين، لكنها في الوقت نفسه لم تعد تتجاهل التهديدات - حتى لو كانت تهديدات محتملة».

وأعلن أن «الهدف هو إحباط التهديد قبل أن يتحقق، وعدم انتظار اللحظة التي يتحقّق فيها ثم التعامل معه لاحقاً بثمن أعلى بكثير.

الفكرة هي ضرب قدرات العدو المحتملة قبل أن يطبّق نواياه (التي يصعب جداً التنبؤ بها). وبالتوازي، تعمل إسرائيل على تعزيز قنوات دبلوماسية مباشرة أو غير مباشرة، وهي مستعدة للتوصل إلى اتفاقات - ما دامت تلبّي احتياجات الأمن الإسرائيلي والاستقرار الإقليمي».

الجبهة الشمالية

كما تعمل إسرائيل بشكل مستمر في كل الجبهات لإحباط التهديدات.

في الجبهة الشمالية، تنفّذ غارات جوية وعمليات برية ضد البنى التحتية والعناصر، التي تصفها بـ «الإرهابية»، بهدف منع إعادة تموضع «حزب الله» وتنظيمات أخرى على حدودها.

في لبنان، ومنذ وقف إطلاق النار، نُفّذت أكثر من 670 غارة جوية وأكثر من 200 عملية تصفية لعناصر الحزب (إضافة إلى نحو 30 عملية تصفية لعناصر من تنظيمات أخرى، بينها «حماس»).

هذه عمليات تُنفَّذ يومياً رداً على أي خرق لاتفاق وقف إطلاق النار، وتهدف إلى منع «حزب الله» من إعادة بناء قوّاته.

على عكس الماضي، تقوم الإستراتيجية الحالية على عدم السماح للحزب بالتحرّر وإعادة بناء قدراته، بل الحفاظ على مكاسب الحرب والإبقاء عليه في حالة ضعف.

وتعمل أيضاً ضدّ بنى تحتية مدنية، لأنها تُستخدم - بحسب إسرائيل - كغطاء لنشاط «حزب الله» العسكري.

في سوريا، الوضع معقّد: «فالنظام الجديد يواجه صعوبة في فرض القانون والنظام بشكل كامل في البلاد، ولذلك تتحرّك إسرائيل ضد تهديدات عدة ترصدها في جنوب سوريا - تهديدات من«خلايا إرهابية»لاتزال نشطة في المنطقة (خلايا تعمل برعاية إيران، حزب الله، داعش، حماس، الجهاد الإسلامي، والجماعة الإسلامية)، محاولات تهريب أسلحة، واشتباكات عنيفة بين أقليات وقوات الأمن تخرج عن السيطرة وقد تُلحق الضرر بحلفاء إسرائيل»، وفق «علما».

أما الوجود العسكري الإسرائيلي في خمس نقاط إستراتيجية في لبنان وفي تسع نقاط على الأقل في منطقة العازل داخل سوريا، فلا ينبع، بحسب إسرائيل من مصالح سياسية مثل السيطرة على أراضٍ كما يُدَّعى، بل من الحاجة إلى إبعاد التهديدات عن خط التماس وحماية التجمعات الإسرائيلية القريبة من الحدود.

الحرب ضد إيران

كذلك، فإنّ الحرب ضد إيران، كانت وفق هذا التحليل عملية وقائية دفاعية هدفها منع إيران من أن تصبح دولة نووية تشكّل تهديداً وجودياً لإسرائيل.

والسؤال المطروح: هل كان من الأفضل الانتظار حتى يتحقّق التهديد النووي ثم مهاجمته بعدها؟

الإستراتيجية التي تدفع بها إيران ضد إسرائيل منذ سنوات تقوم على هجوم مركّب من جميع الجبهات، ولذلك تعمل إسرائيل في كل الجبهات ضد وكلاء إيران.

إسرائيل تواجه عدواً مصمّماً لا يخفي نواياه بتدميرها، ولا يتردد في استخدام أي وسيلة، بينما يُطلب من إسرائيل ممارسة ضبط النفس. والعودة إلى سياسة الاحتواء ستكون - بحسب هذا الطرح - خطأ كبيراً. فإسرائيل يجب أن تواصل العمل بحزم ضد أي تهديد، والحفاظ على تفوّقها الإستراتيجي على العدو.

إسرائيل وفق هذا التحليل لا تتصرف بعدوانية، بل العكس هو الصحيح.

فالسياسة الحالية تمنع تصعيداً خطيراً. والتعامل مع التهديدات في مرحلة مبكرة يعزّز الأمن الإقليمي، ويدعم الأطراف الأكثر اعتدالاً، ويمهّد الطريق لاتفاقات وتطبيع في المنطقة.