«بعد عامين، حماس محاصرة، لكنها تتعافى، وتسيطر فعلياً على نصف أراضي قطاع غزة، وتزيد سيطرتها على ما يقرب من 98 في المئة من سكان القطاع، وتعزز قوتها العسكرية (خصوصاً في مجال العبوات الناسفة، تعيين القادة، تدريب المقاتلين، وتجميع الصواريخ الإسرائيلية التي لم تنفجر لتعيد استخدامها في حال تجدد القتال)»، هذا ما خلصت إليه ورقة موقف من «معهد بحوث الأمن القومي الإسرائيلي» تحت عنوان «النصر والحسم وما بينهما: تحدي تحقيق أهداف حرب حماس» للباحث العسكري تمير هايمن.
ويقول هايمن في مقدمة الورقة التي قُدمت لرئاسة الأركان ومكتب رئيس الوزراء: «مع مرور الأيام، وتوقف عملية الجيش في قطاع غزة وتوقف نزع سلاح حماس وتفكيك وحداتها، ثبت أن حركة حماس شرعت قبل نهاية الحرب في تجنيد وحدات جديدة لمقاتليها في قوة رسمية، وشرعت في جمع السلاح والمتفجرات وما لم ينفجر من صواريخ ألقاها الجيش الإسرائيلي على قطاع غزة خلال العامين الماضيين».
وأكد أنه «ما لم تقم إسرائيل بإيجاد بديل لحكم حماس أو يقوم الجيش بالضغط لنزع سلاحها، تصبح الإنجازات، موقتة، وسيتجدد التهديد لها. وكذلك القتال ضد حماس مسألة وقت... لم تهزم ولم تستسلم ومازالت».
وتابع الباحث العسكري «يسعى كل طرف إلى تحقيق أهدافه بالخداع والاحتيال والكذب والتضليل، ولذلك قد يدّعي كلا الطرفين النصر، كلٌّ وفق أهدافه الخاصة. على عكس النصر، يختلف الوضع في حالة القرار... في حرب حاسمة، يُمكن الحكم بموضوعية على أي طرف فقد قدرته القتالية وأي طرف لم يفقدها... والواضح أن حماس لم تفقد قدرتها بعد عامين من الحرب الطاحنة المدمرة».
ودخل هايمن في نص الورقة في مفهوم النصر وأبعاد المعركة الأطول في الصراع الفلسطيني - الإسرائيلي و«حرب الرواية»، وقال «وُسع مفهوم الحسم في التفسير السائد للحسم، وكما هو الحال في القتال التكتيكي، يُفسر النصر الحاسم بشكل أفضل في الحروب بين جيوش الدول منه في الحروب بين دولة ومنظمة (إرهابية). ينبغي توضيح ذلك: إن تحقيق نصر حاسم من قِبل المنظمات مثل حماس التي تخوض حرب العصابات أمر ممكن، ولكنه معقد وأقل وضوحاً».
وأوضح أنه «منذ حرب يوم الغفران، كانت كل حروب إسرائيل ضد منظمات (إرهابية) ومنظمات حرب العصابات، وجيوش الإرهاب، باستثناء المواجهة مع سوريا في حرب لبنان الأولى (1982) وحرب الأيام الـ 12 مع إيران (2025). في هاتين الحربين، امتنع المستوى السياسي عن المطالبة بنصر حاسم. فضّل أهدافاً محدودة، كان من بينها، على سبيل المثال: المس بالقدرات، زيادة الردع، وتدمير القدرات. وهكذا، على مر السنين، نشأ واقعٌ تراجع فيه تدريجياً مفهوم الحسم».
وتابع «أما السؤال عما إذا كان هذا التطور يعكس عجزاً من المستوى العسكري عن هزيمة هذه التنظيمات، أم عدم رغبة المستوى السياسي في المخاطرة بدفع ثمن هذا النصر؟ الإجابة هي كليهما. عرض المستوى العسكري تداعيات هزيمة حماس التي تتغلغل بين المواطنين المدنيين على المستوى السياسي، الذي قرر مراراً وتكراراً أن الثمن سيكون باهظًا للغاية، ولذلك امتنع عن تحديد الحسم كهدف للحرب التي طحنت المدنيين قبل العسكريين».
من المنتصر؟
هل انتصرت إسرائيل في حرب؟ (بافتراض انتهاء الحرب بالفعل)، كما حُددت في بدايتها:
- انهيار حكم حماس في قطاع غزة وتفكيك قوتها العسكرية... لم يتم.
- إزالة أي تهديد عسكري من القطاع لإسرائيل، واستعادة الشعور بالأمن... لم يتم.
- استعادة الأمن والمناعة الوطنية للإسرائيليين... لم يتم.
- تعزيز الردع الإسرائيلي ومنع التصعيد في ساحات أخرى... لم يتم.
- تهيئة الظروف لعودة الأسرى لدى حماس... تم جزئياً.
ويقول الباحث «صُممت بعض الأهداف بطريقة لا يمكن قياسها: الشعور بالأمن، استعادة المناعة الوطنية، وتعزيز الردع... هذه مفاهيم وإنجازات لا يمكن تقييمها أو قياسها بدقة. في نهاية المطاف، لا يُختبر الردع إلا عند انهياره، وبالتالي، فإن مدى نجاحه، ما دام العدو ممتنعاً عن التحرك، أمرٌ قابلٌ للنقاش. إن الشعور بالأمن أمرٌ نسبي، والمناعة الوطنية تُقاس بالقدرة على التعافي من الأزمة، لذا لا يُمكن اختبارها إلا بعد فترةٍ من الوقت وخلال الأزمة التالية. لقد تحقق هدف إعادة مستوطنات جنوب وشمال البلاد. ورغم أنه حتى وقت كتابة هذه الورقة، لم يُعاد بعد ثلاثة قتلى (رهائن) إلى إسرائيل، يُمكن القول إن هدف تهيئة الظروف لعودة المختطفين قد تحقق. لذلك، يبقى أن ندرس مسألة انهيار حكم حماس وتفكيك قوتها العسكرية (حجر كبير يصعب تفتيته أو إلقاؤه)... في ظل التقارير الأميركية والإسرائيلية التي تتحدث عن 17 ألف مقاتل مازالوا بكامل عتادهم ويزيدون مع استئناف تجنيد المقاتلين».
حرب عصابات وخلايا صغيرة
ووفق ورقة الموقف «لم تعد حماس جيشاً منظماً كما كانت عشية 7 أكتوبر 2023: فقد تمت تصفية قادتها، ووحداتها لا تعمل بشكل منهجي، وليس لديها صناعة عسكرية، ولا سلاح جوي، ولا قوة بحرية، ولا مقر قيادة منظم. لا يشارك أعضاؤها في قتال منظم، بل هي في حالة حرب عصابات وخلايا صغيرة، تركز أنشطتها، وجهودها لإلحاق ضربات موجعة بقوات الجيش الإسرائيلي».
وقدر الباحث العسكري أن الحركة من حيث القدرات العسكرية، «تمتلك نحو 10 في المئة من الصواريخ التي كانت لديها قبل القتال. ووفقاً للتقديرات العامة، يمتلك مقاتلوها البالغ عددهم 17 ألفاً (معظمهم جدد وغير مدربين) نحو 10 آلاف بندقية. وبأي مقياس في ما يتعلق بالتهديد الذي واجهته إسرائيل عشية 7 أكتوبر، فإن هذا واقع مختلف تماماً. وفي الوقت نفسه، لاتزال هناك حاجة إلى آلية وترتيبات أمنية مخصصة لمنع إعادة تأهيل آلاف ينتظرون الالتحاق بالجناح العسكري لحماس. لذلك، فإن حسم حماس، إذا ما تم تحديده كهدف، يتطلب تدمير الآلية التي تسمح لها بتجنيد عناصر جدد مع إبعاد القيادات العسكرية الموجودة عن دائرة القتال (أو بموافقتهم كجزء من اتفاقية مسلحين يسلمون بموجبها الأسلحة إلى السلطة الأمنية في غزة ويلتزمون بالامتناع عن النشاطات المعادية لإسرائيل أو القوة العسكرية».
وتنص الورقة العسكرية على أن «تدمير القدرات الحكومية لحركة حماس: يمكن تحقيق كل من تصنيف حماس كمنظمة إرهابية وتدمير قدراتها الحكومية بشرط تشكيل حكومة منافسة. تسيطر حماس اليوم على نحو نصف أراضي قطاع غزة، ولكن في غياب هيئة حاكمة أخرى، وبما أن حماس لاتزال القوى الأكثر شعبية وانتشاراً وتمتلك أسلحة، فإنها تعزز سيطرتها وتردع أي كيان أجنبي عن دخول غزة ومحاولة نزع سلاحها. كل يوم يمر من دون تشكيل هيئة بديلة تستغل ضعف حماس الحالي لفرض سيطرة مدنية هو يوم تزداد فيه قوة».
وتحدد خطة الرئيس الأميركي دونالد ترامب لإنهاء الحرب بالتفصيل «مجلس إدارة دولي (مجلس السلام - BOP) وحكومة تكنوقراطية، والتي ستسيطر موقتاً على قطاع غزة حتى تستعيد السلطة الفلسطينية السيطرة على القطاع بعد اجتيازها عملية إصلاح شاملة (وفقاً لقرار مجلس الأمن الرقم 2803، 17 نوفمبر 2025 - في غضون عامين).
كما تقدم الخطة إنشاء قوة استقرار موقتة (ISF). وتؤكد أن نشر هذه القوة، التي تضم قوات أمن من دول مختلفة، بما في ذلك الفلسطينيين، يشكل منافسة لـ«حماس».
و«رغم أنه من غير المرجح أن يفرض نزع سلاح الحركة، فإن حقيقة أنها ستسمح بحل بديل لسيادة القانون والنظام ستضعفها. من الناحية العملية، من المفترض أن يحل هذا النظام الحكومي محل حماس ويحقق هدف الحرب في هذا السياق»، بحسب ورقة هايمن.