جُمدت ساحة المعركة بتفويض عالمي... وليس باختيار إسرائيلي

القرار 2803 حول غزة يُنهي الحرب... لكنه يُبقي المستقبل مجهولاً

مجلس الأمن خلال التصويت على القرار في شأن غزة (أ ف ب)
مجلس الأمن خلال التصويت على القرار في شأن غزة (أ ف ب)
تصغير
تكبير

حقق قرار مجلس الأمن رقم 2803 إنجازاً مهماً لحظة صدوره: فقد أكد، في شكل قاطع، أن حرب غزة، كما عرفها العالم منذ عامين، توقفت. وقد أصبح هذا القرار الآن راسخاً في القانون الدولي، ولم يعد خاضعاً لمناورات رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أو ائتلافه اليميني المتطرف أو احتياجاته السياسية للبقاء.

لقد جُمدت ساحة المعركة بتفويض عالمي، وليس باختيار إسرائيلي. ومع ذلك، فبمجرد أن تصمت المدافع، تبدأ المشكلات الحقيقية، لأن كل ما كان ينبغي أن يتبع وقف النار قد تُرك للغموض والتمني.

سارعت واشنطن إلى تقديم القرار باعتباره المحور الدبلوماسي لخطة الرئيس دونالد ترامب المكونة من 20 نقطة، واصفةً إياه بالركيزة الأساسية لانتقال غزة نحو الاستقرار وإعادة الإعمار، وصولاً إلى الحكم الذاتي الفلسطيني في نهاية المطاف.

لكن القرار أقرب إلى كونه خريطة طريق منظمة، منه إلى كونه مجرد بديل سياسي: وثيقة تُفصّل النيات من دون آليات، ومبادئ من دون إنفاذ، ورؤية من دون هيكلية. يبدأ الوضوح وينتهي ببند وقف النار.

أما ما وراء ذلك، فكل عنصر أساسي تقريباً مؤجل، أو غامض، أو متناقض داخلياً. ويتجلى هذا بوضوح تام في غياب الجداول الزمنية. فإذا كان القرار يهدف حقاً إلى إطلاق عملية إعادة إعمار غزة، فإنه لا يحدد موعد بدء هذه العملية، أو كيفية تنفيذها، أو تاريخ اكتمالها.

ويدعو القرار إلى انسحاب القوات الإسرائيلية، ولكنه لا يقدم جدولاً زمنياً لمغادرتها مدن غزة أو مخيماتها أو ممراتها.

واليوم، يواصل الجيش الإسرائيلي إدارة نقاط التفتيش، وإجراء عمليات مراقبة بطائرات من دون طيار، والحفاظ على ما يُسمى بالممرات الإنسانية التي تُستخدم كأحزمة احتلال أكثر منها كطرق إغاثة.

وبترك الانسحاب من دون تحديد، يمنح القرار إسرائيل فعلياً القدرة على الحفاظ على وجود عسكري مفتوح تحت ذريعة دائمة مفادها بأن «الشروط الأمنية» لم تتحقق بعد. فإن الجداول الزمنية ليست تفاصيل تقنية؛ إنها تحدد ما إذا كان الناس سيبقون عالقين في حالة من النسيان أو سيبدأون في إعادة بناء حياتهم.

ضربة لخطة نتنياهو

رحبت إسرائيل علناً بالمبادرة الأميركية، ولن تتحدى عشرات الدول التي أيدت القرار، ولن تعارض صراحةً خطة ترامب. لكن في الخفاء، ينظر المسؤولون الإسرائيليون إلى النص على أنه ضربة لخطة نتنياهو طويلة الأمد المتمثلة في الأهداف الموضوعة منذ عامين بالقضاء على «حماس» وبناء المستوطنات فيها والتطهير العرقي والسيطرة المباشرة على غزة. رفضت إسرائيل البند الوحيد الذي يمكن أن يمنح القرار قابلية للاستمرار: احتمال قيام دولة فلسطينية. والنتيجة هي مفارقة - قرار لا يرضي المحتل، ومع ذلك يُفرض كإطار دبلوماسي عالمي.

هذا الغموض الهيكلي نفسه يقوض وعد القرار بـ «مسار نحو الدولة الفلسطينية». ترتبط الدولة بـ«إصلاحات» غير محددة يجب على السلطة الفلسطينية القيام بها، لكن القرار لا يوضح أبداً من يضع هذه الإصلاحات، ومن يتحقق منها، أو من يملك سلطة إعلان اكتمالها. قد تُملي هذه الشروط التوقعات السياسية الأميركية، أو المتطلبات الأمنية الإسرائيلية، أو مقاييس الحوكمة التي يوجهها المانحون، أو مزيج من هذه العوامل الثلاثة - ويمكن توسيع نطاقها أو إعادة تفسيرها إلى ما لا نهاية.

أصبحت المشكلة عبثيةً على الفور عندما أعلنت حكومة نتنياهو، في غضون ساعات من اعتماد القرار، أنها لن تقبل أبداً بإقامة دولة فلسطينية تحت أي ظرف من الظروف. إن خطةً يعتمد وعدها السياسي المحوري على موافقة قوة احتلال ترفض هذا الوعد رفضاً قاطعاً تنهار فور إعلانها.

وقد اشتكى السياسيون الإسرائيليون بالفعل من الدور المهيمن لواشنطن في تحديد ما يُشكل «أمن إسرائيل». ومازال موقفهم ثابتاً: تُريد إسرائيل نزع سلاح «حماس» قبل أي خطوة نحو انسحاب القوات أو إعادة الإعمار.

منطقة منزوعة السلاح

يتعلق أضعف عنصر هيكلي في القرار بنزع السلاح، فهو يُطالب بأن يُصبح قطاع غزة منطقة منزوعة السلاح، ولكنه لا يُقدم أي آلية لتحديد من سينزع سلاح «حماس» أو الفصائل الفلسطينية المسلحة الأخرى، أو كيفية حدوث ذلك، أو كيفية الحكم على اكتمال «نزع السلاح الكامل».

لقد نأى كل طرف جاد بنفسه عن هذه المهمة. لن تُكلّف الدول المُشاركة جنودها بنزع سلاح الفصائل الفلسطينية بالقوة. فالأمم المتحدة لا تملك التفويض ولا الرغبة في مثل هذه المهمة. ترفض إسرائيل وضع جيشها تحت أي تسلسل قيادي دولي. والنتيجة مطلب مستحيل دون مُنفّذ. إن المطالبة بنزع السلاح من دون مُنفّذ ليست خطة أمنية، بل هي وهم دبلوماسي.

وهناك نقطة رئيسية آخرى تكمن في تصور القرار لحكم غزة. من المقرر أن تخضع السلطة الانتقالية المقترحة لإشراف دولي، وتمويل دولي، وتنظيم دولي. لكن مجتمعاً ينهض من الدمار لا يمكن للحرب أن تُسند سيادتها من الباطن.

عندما تُوكل إلى جهات خارجية مسؤولية الترتيبات الأمنية، وأولويات إعادة الإعمار، والتعيينات السياسية، والإشراف الاقتصادي، فإن المرحلة الانتقالية تتوقف عن كونها مرحلة انتقالية. بل تصبح إدارة أجنبية متخفية في عباءة الإصلاح.

إعادة الإعمار

حتى إعادة الإعمار - العنصر الوحيد الذي يتطلب إلحاحاً عالمياً - تُفرغ من محتواها بغياب العدالة. يدعو القرار إلى إعادة إعمار غزة، لكنه لا يشير إلى المساءلة، أو المسؤولية القانونية، أو الانتهاكات الموثقة التي ارتُكبت خلال الحرب. بالنسبة إلى العائلات التي فقدت كل شيء، فإن إعادة الإعمار دون عدالة ليست تجديداً، بل هي فقدان ذاكرة مفروض. يطلب القرار من السكان قبول المستقبل دون تسمية القوى التي دمرت حاضرهم.

الخطر الأعمق يكمن في أن هيكل القرار يسمح لإسرائيل بالاحتفاظ بسلطة حاسمة على أمن غزة تحت غطاء دولي. يُسمح لإسرائيل بتنفيذ «عمليات أمنية» كلما رأت وجود تهديد، ما يضمن جعل القطاع صالحاً للسكن بما يكفي لتجنب الغضب العالمي، مع الحفاظ على سيطرة تل أبيب ببعدها الإستراتيجي.

هذا الترتيب يُجمّد الصراع بدلاً من أن يُحلّه، مُنشئاً غزة بلا سيادة ولا تحرير - أرضٌ استُعيدت إلى وظائفها الأساسية لكنها محرومة من حق تقرير المصير السياسي.

وتعكس العملية التي أنتجت القرار هذه نقاط الضعف. فبدلاً من مبادرة متعددة الطرف واسعة النطاق مُتجذّرة في الأمم المتحدة، يعكس القرار إطاراً صُمّم في الغالب من الولايات المتحدة وأقرّه الحلفاء.

استُشيرت العديد من الدول ولكن لم تُمنح أيّ صلاحيات، وتمتلك إسرائيل الحق في اختيار الدول المشاركة. وتبدو الأمم المتحدة مُيسّراً أكثر منها ضامناً. في الوقت الذي تحتاج فيه غزة إلى أوسع تحالف دولي ممكن، ينحصر الهيكل السياسي في نموذج مُركّز على الولايات المتحدة ويُحافظ على النفوذ الإسرائيلي على كل مُؤشّر إستراتيجي.

يكشف الاستقبال الميداني للقرار انفصاله عن الواقع. رفضت «حماس» والفصائل الأخرى الخطة فور صدورها، مُصرّحةً بوضوح أنها لن تُسلّم سلاحها في إطار يُبقي القوات الإسرائيلية في مكانها ولا يُقدّم أي ضمانات للسيادة.

يُنهي قرار مجلس الأمن، الحرب ولكنه لا يُقدّم أيّ مُستقبل. يُسكت ساحة المعركة ويترك جميع المسائل السياسية من دون حلّ. وقف إطلاق نار من دون جدول زمني للانسحاب؛ ووعد بإقامة دولة رفضته إسرائيل مُسبقاً؛ وخطة إعادة إعمار مُنفصلة عن العدالة؛ وسلطة انتقالية مفروضة من الخارج؛ وبند نزع سلاح لا أحد راغب أو قادر على تطبيقه - هذه ليست مكونات أي تسوية. إنها بنية صراع مُتجمد في الهواء.

حسابات نتنياهو واضحة: سيزعم أن «حماس» تنتهك شروط نزع السلاح. هذا الادعاء - سواء كان مُبرراً أم مُصطنعاً - سيُستخدم كذريعة لإعفاء إسرائيل من التزاماتها بموجب القرار والسماح للجيش باستئناف الضربات (ليس الحرب كما يشاء، ليلاً ونهاراً) في جميع أنحاء غزة. بالنسبة إلى نتنياهو، فإن الإطار الذي تفرضه الأمم المتحدة والذي يُقيد العمل العسكري الإسرائيلي يأتي في أسوأ لحظة انتخابية ممكنة. لذلك، عليه أن يُظهر تحدياً: أن يُصوّر نفسه على أنه القائد الذي يرفض القيود، ويقطع أي طريق إلى دولة فلسطينية، ويُثبت أن إسرائيل وحدها هي التي تُملي البنية الأمنية لغزة.

لقد توقفت الحرب. لكن حالة عدم اليقين في غزة لم تتوقف. إن هذا القرار يجمد الصراع من دون حله، ويضع غزة في حالة حدودية: ليست في حالة حرب، وليست في سلام، وليست ذات سيادة، ولا إعادة بناء ــ هدنة بلا أفق.

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي